تواصلاً مع إصدارات الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية؛ نقف مع هذه اللطيفة من لطائف البيان والمقال، من خلال كتاب « حلية الفرسان وشعار الشجعان» لصاحبه أبي الحسن بن عبدالرحمن الأندلسي المعروف ب « ابن هذيل »، وكان هذا الكتاب في أصله مقدمة لكتاب ذات المؤلف بعنوان « تحفة الأنفس وشعار أهل الأندلس» . والحديث عن الخيل في الثقافة العربية يجرنا مباشرة إلى تلك الأبيات الشعرية الأُولى منذ أن وصف امرؤ القيس الحصان بقوله : مِكرٍ مِفرٍ مُقبلٍ مُدبرٍ معاً كجُلمود صخرٍ حَطَّه السيلُ من علِ له أيطلا ظبيٍ وساقا نعامةٍ وإرخاء سِرحان وتقريب تتفُلِ والشاهد في هذا الوصف العجيب لامرئ القيس اقتران الخيل بأعيان المُمْكِنات المرئية في الوجود، واضعاً تسارعه الكبير خارج نظام المرئيات التقليدية في المشاهدة، فهو في حالة كرٍ وفرٍ وإقبال وإدبار في ذات اللحظة، وكأنه مروحة هوائية تدور بسرعة لا متناهية، حتى لا يستطيع الرائي استبانة جوهر ذلك الدوران، وتحديد معالمه، ويضيف إلى ذلك القول بأن حصانه يشبه الظبي في عضلات رجليه، والنعامة في قوة ساقيها، والأرنب في تقريب المسافات، والثعلب في الاسترخاء المقرون بالتداعي الحر مع الجري . هذه الأوصاف الشمولية للخيل تدل على أن الحصان كان بمثابة النموذج الجامع لخصال الجمال النبيل الذي يجعل من هذا الكائن الفريد قيمة استثنائية في معادلة النظر والوجود معاً، كما أنه ينطوي على قوانين الطبيعة الجدلية التي تضعنا في قلب النواميس الفيزيائية الناظمة للمرئيات والمُغيَّبات. ما ذهب إليه امرؤ القيس يعيدنا إلى ذلك المربع المفاهيمي الحاسم الذي أبرزه مولانا جلال الدين الرومي صاحب «المثنوي» في معرض تبيانه لمعنى الدوران الناظم لحركة الكواكب والأفلاك، والمنغرس في سديم التجريد الذي يحيل الفتق رتقاً، والشاهد أن المولوي الدائر لا يؤكد فقط دائرية الأكوان، بل يردم المسافة الفاصلة بين الملموس المرئي، والمجرد الغائب في سديم العماء، وهو ذات الأمر الذي قاربه امرؤ القيس من حيث لا يحتسب، مُستعيناً بطاقة الإبداع الشعري، مستأنساً بالخيل وخصاله. مثل هذه التداعيات المفتوحة على مزيد من الطرائف واللطائف، تجعل من هذا الكتاب إضافة نوعية لسلسلة مؤلفات الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية، بوصفه استعادةً تراثيةً جديرة بالقراءة. [email protected]