يقول امرؤ القيس واصفاً الخيل: مكر مفر مقبل مدبر معاً كجُلمود صخر حطّه السيل من عل له أيطلا ظبي وساقا نعامة وارخاء سرحان وتقريب تتفل ينطبق وصف امرئ القيس على الشجرة لأن الحركة السريعة للأشياء توازي سكونها الظاهر، والشاهد أن الطائرة التي تُحلق بسرعة ألف كيلومتر في الساعة تبدو لراكبها واقفة في مكانها، والناظر لعجلة تدور بسرعة فائقة تبدو له واقفة في مكانها!! ، وهنا يلتقي الحراك السريع جداً مع الثبات " مكر .. مفر .. مُقبل .. مدبر معاً ". والحال فإن الشجرة الثابتة لاتتحرك فقط لأنها تدور بدوران الكرة الأرضية المرتبطة بدوران الأكوان، بل أيضاً لأنها تؤكد ثبات السرعة وإقامتها في معاني الزمن المفتوح. قال الرائي محمد بن عبد الجبار النفري بلسان الحق : القُرب الذي تعرفه مسافة، والبُعد الذي تعرفه مسافة، وانا القريب البعيد بلامسافة " وتقول لنا الشجرة فيما تقول : " قرب ولا بُعد، وإقامة في الحال ولا حال يبقى على حال، وثبات في المكان ولا ثبات !!". سكون الشجرة يتوازى مح الحركة الفائقة للخيل بحسب وصف الشاعر ، لكن بنية الشجرة المادية تشابه أيضاً ذلك الوصف المقرون بالحراك ، فأوصاف الشاعر للظبي والنعامة ،والثعلب شبيه بتلك الصفات الشكلية الظاهرة في الأشجار، فمنها الطويل، ومنها القصير، ومنها المتعرج ، ومنها المحدد الحاد ، وهكذا. لقد أجاد الشاعر الجاهلي ذلك الوصف الذي يقرن الحركة المطلقة بالسكون الظاهر، ويستقرئ المشهد الواقعي من خلال الواقع الذهني المفاهيمي، وهو أمر يأخذ مجراه الآن في الأعمال الفنية المفاهيمية التواقة إلى قول ما لا يمكن أن يُقال، وتقريب المعقول من اللامعقول. ومثل هذا الحراك الابداعي المتطلع دوماً لنسف القوانين المعروفة في الفن يتصل أيضاً بفنون الشعر والسرد والموسيقى