كل ثابت يتحرك ولكننا لا نستطيع أن نراه، حتى الأشياء التي نراها ثابتة إنما هي في حراك جدلي وفي حراك حقيقي فيزيائي، هذا الحراك معطاه أن للأشياء حياتها الخاصة. هذه النقطة ألحظها عند امرئ القيس الذي كأنه كان يدرك تلك المعادلة واصفاً الجواد بقوله : مكر مفر مقبل مدبر معاً.. كيف توصل هؤلاء الشعراء إلى معاينة المتحرك في الثابت والثابت في المتحرك ؟.. يفسرالحلاج قائلاً: العلم علمان مطبوع ومكتسب والبحر بحران مركوب ومرهوب العلم المطبوع هو الذي يأتيك من حيث لا تحتسب، نسميها موهبة .. فراسة أو نسميها ما شئنا، أما العلم المكتسب فهو العلم الذي يأتينا رسماً عن رسم وكتاباً عن كتاب وخبرة عن خبرة، تبعاً لذلك كان عرب الجاهلية يتبعون الترميز، كالرمز عند امرىء القيس.. ما كانت العرب أُمة جاهلة بالمعنى الذي نفهمه، بل كانوا على صلة أفقية ورأسية بالحضارات الإنسانية والديانات المختلفة، وكانت الحياة عند عرب الجاهلية مقرونة بنزعة أبيقورية فلسفية بعيدة عن المتعة المجانية. الوصف الذي قاله امرؤ القيس عبارة عن مقاربة لتلك السرعة التي تصل إلى حد أنها تتوحد مع السكون، وهو ينعت جواده بكثير من صفات الحيوانات القوية والسريعة، ويتصور أن حصانه مُقيد في سرعته « قيد الأوابد هيكل»..كأن كل هذا الحراك يتحول إلى شيء ثابت أشبه ما يكون بألوان الطيف التي لا نراها إلا عبر الموشور.. تنكشف .. ثم نرى تلك الألوان. العرب ماقبل الاسلام كانوا أصحاب فكر ودليلنا بيانهم الشعري، فهم لما قسّموا الشعر إلى “ بيت” و” شطر” و”عجز”، وأقاموا صرح القافية والتفعيلة، عدت هذه مسميات متناسبة مع مسميات الدور، فلكل بيت باب، ولكل بيت صدر، ولكل بيت مدخل، ولكل بيت عمود، ولكل عمود بداية وقفلة، وذلك من حيث الشكل. فهذه المسميات تدل على أن قوانين الشعر هي قوانين العمارة، وأن قوانين السكون والحركة في الشعر هي قوانين الموسيقى، ودليلنا على ذلك أن الخليل بن أحمد الفراهيدي عندما أراد أن يتعرف على موسيقى الشعر العربي لجأ إلى الموسيقى المجردة حتى يعرف التراتب بين الحركة والسكون من خلال التراتب في الإيقاعات والأصوات. البيت الشعري العربي مضبوط بمتوالية الحركة والسكون تناوبا رياضياً موسيقياً جبرياً، تماماً كما يقود المايسترو فرقة عزف موسيقية.