عادل السياغي في اليمن، حين تطرق أبواب القضاء بحثًا عن إنصاف أو عدالة، فإنك تدخل متاهة لا يشبهها شيء سوى السير في صحراء بلا خريطة، ولا ظل، ولا أمل في الوصول. عبثٌ أن تُراهن على القانون، في بلد أصبح القانون فيه مجرد أوراق تكسوها الغبار، وأختامٍ تُباع وتُشترى، ومسؤولين لا يهتمون سوى بمكاسبهم، ولو على حساب المظلومين. المعاناة تبدأ من أول إجراء تبدأ رحلة المعاناة منذ لحظة تقديم الشكوى، إذ يتم تحويلك من قسم الشرطة إلى النيابة، ومن هناك إلى المحكمة، وكأنهم يتفننون في إنهاكك نفسيًا وماليًا. لكن ما يُحبط أكثر، هو ما يحدث عند تنفيذ أبسط الإجراءات القضائية، وعلى رأسها "إعلانات الخصوم". هل يعقل أن يعيش الإنسان اياماً ، في انتظار تنفيذ إعلان خصم في قضية حقوقية أو جنائية، دون أن يتم ذلك؟! والأدهى، أن بعض أفراد الشرطة القضائية، ممن يفترض أن يكونوا ذراع العدالة، يتعاملون مع الإعلان وكأنه فضلٌ منهم، أو أداة للابتزاز والتأخير، وليس واجبًا قانونيًا مفروضًا عليهم بحكم وظائفهم. الإفادات المضلِّلة… سلوك ممنهج لا يتوقف الضرر عند التأخير، بل يصل إلى تزوير الواقع أحيانًا، عبر إفادات غير دقيقة، بل وكاذبة، ترفع إلى النيابة و المحكمة لتبدو وكأن الإجراء قد تم، أو أن الخصم غير موجود أو غير معروف، بينما الحقيقة غير ذلك تمامًا. وفي بعض الحالات، يتم الاكتفاء بعبارة: "تم البحث ولم يُعثر عليه"، دون أي جهد حقيقي أو متابعة. هذه الإفادات، في كثير من الأحيان، تكون سببًا مباشرًا في ضياع حقوق الناس، وتعطيل سير العدالة، وربما تبرئة متهم أو تعطيل حكم مستحق، أو حتى إفشال صلح كان يمكن أن يُجنّب الطرفين الكثير من العناء. مماطلة… بأشكال متعددة لا يمكن إحصاء حجم المماطلة التي تُمارس تحت مسميات متعددة: – "المسؤول مشغول"، – "السيارة مش طالعة اليوم"، – "ارجع بكرة"، – أو حتى: "ما وصلنا توجيه من المحكمة". وفي كل مرة، يُطلب منك الصبر، وكأنك لا تُعاني، وكأنك لا تتكلف أعباء مادية ونفسية، وكأن حقك ليس أولوية. كل هذا، والخصم يتهرّب بكل أريحية، دون أن يُجبره أحد على المثول أمام العدالة، ودون أن يشعر بأي ضغط قانوني حقيقي. القضاء يُفرّط في هيبته إن استمرار هذا الوضع، لا يضرب فقط سمعة الشرطة القضائية، بل يهدد مصداقية النظام القضائي برمته. فمتى ما فَقَد الناس ثقتهم بآليات تنفيذ العدالة، فإنهم سيلجؤون إلى وسائلهم الخاصة، بما في ذلك الثأر، أو الرشوة، أو حتى الهروب خارج البلاد، وهو ما يحدث بالفعل. لسنا نُطالب بالمستحيل لسنا نطلب أكثر من احترام الإجراءات، وتنفيذ الأوامر القضائية بمسؤولية ومهنية، وتوفير نظام رقابي صارم يُحاسب كل من يُعطّل أو يُضلل أو يُهمل في أداء واجبه. فإذا كانت العدالة معطّلة على أيدي من يُفترض أنهم يحمونها، فأي مستقبل ننتظر؟ وإذا أصبح المواطن العادي أكثر دراية من الشرطة بأصول تنفيذ الإجراءات، فأي قانون نحترم؟ وإذا تحولت العدالة إلى مسرحية، فأين الدولة؟ وأين "القضاء"؟ وأين حتى "القدر" الذي كان يجب أن يكون أهون مما نعيش؟ في اليمن، لا قضاء ولا قدر... بل متاهةٌ نعيشها كل يوم، ولا أحد يسمع النداء.