عبد المجيد صلاح كم أشتاق إليك يا صديقي، كم أشتاق إلى ثورتك، إلى تمردك، إلى تلك الشعلة التي كنت توقدها في روحي كلما خمدت. أنت من علّمني أن أكون حرًّا، طليقًا، عاشقًا للكرامة. علّمتني الحرية، التواضع، الوسطيّة، وعلّمتني أن الدولة لا تُبنى إلا بالعقل والضمير. كنت مديرًا لمكتبك، وكان اسمك في القضاء العسكري يسبقك: "الاشتراكي الصادق". رأيتك تجمع الناس، تنقاشهم، تحتضنهم، وتصنع من اختلافهم ساحة حوار، لا ساحة اقتتال. رأيتك تدافع عن الحراك، عن تهامة، عن صعدة، عن خميس مشيط، عن أصحاب البسطات، عن الصحافة، عن الإنسان اليمني دون تصنيفات. وما زلت أتذكرك يا أحمد، كما عرفتك: تخاطب العقلاء، وتحاور من يسميهم الناس "المجانين"، وتنشر تحقيقاتك عنهم في صحيفتك "المستقلة"... وكم كانت مستقلة فعلًا، وكم كنا بحاجة لمن يُذكّرنا أن كثيرًا من هؤلاء "المجانين" كانوا أصدق منا، أكثر حكمة وعمقًا. لم تدّخر شيئًا، لا من وقتك، ولا من مالك، ولا من جهدك. كان ديوانك بيتًا للثوار، ومنه انطلقت شرارة 11 فبراير، حين اجتمعت فيه كل الأطياف: أنصار الله، السلفيون، الإصلاحيون، الاشتراكيون، الناصريون، المؤتمريون... خرجوا جميعًا من بيتك إلى ساحة الجامعة، وهناك صرخوا: "الشعب يريد إسقاط النظام". لكن يا للأسف... سقط النظام، وجاء ما هو أسوأ. عشر سنوات من الحروب، والدم، والتشظي، والكراهية. لا البنادق أوقفتها، ولا الخطب، ولا الشعارات. ما زالت الأحقاد قائمة، وما زالت الدولة غائبة، وما زالت اليمن تتوجّع. أحمد سيف... أدعوك أن تعود، لا كمنبر احتجاج فقط، بل كجسر تواصل بين المتنازعين، كحمامة سلام، كساعي دولة مدنية، كنت أول من نادى بها، وآخر من تخلى عن الإيمان بها. نحن بحاجة إلى دولة: لا دولة دينية ولا طائفية، بل دولة خدمات، تعليم، صحة، اقتصاد، طرقات، مصانع، دولة تحترم حرية الاعتقاد، وتفصل بين الدين والسياسة، فالله ليس بيننا وبينه خلاف، ولا يحتاج إلى ناطق رسمي. لِنُصَلِّ كما نشاء، ونعبده كما نؤمن، ولنختلف كما نشاء سياسيًا، لكن فلنجتمع على وطن واحد ودولة مدنية جامعة. صنعاء، رغم كل جراحها، لا تزال تحتضن الحلم. والشعب، رغم كل خذلانه، لا يزال يتذكر من وقف معه. لك الدعاء بالشفاء يا أحمد، ولك الامتنان، ولك النداء: عد إلينا، فصوتك ما زال مطلبًا، وعودتك ضرورة، وحلمك بالدولة المدنية ما زال حلمنا جميعًا.