سنان بيرق حين يتهشَّم تاج العدالة على أيدي من يفترض أن يكونوا حرّاسه، وحين يذبل وجه الحق في قاعات يفترض أن تكون منابر للهيبة والرهبة، ندرك أن الخلل لم يعد عارضًا، بل صار مرضًا ينهش جسد السلطة القضائية من الداخل. لقد صار بعض من يُسمَّون قضاةً أشبه بظلال باهتة لرجالٍ كانوا يومًا عنوانًا للشجاعة والحزم. تراهم في الجلسات ضعافًا، منكسرين، يُسيّرهم المحامون والأطراف كما يساق الغريب في أرضٍ لا يعرف معالمها. يُملى على كاتبهم ما لم ينطق به القانون، بل ما ألحّ به أحد المحامين نزولًا عند رغبةٍ مُلحّة لا تعرف الحياء. أين ذاك القاضي الذي كان إذا دخل القاعة ارتجفت الأصوات وتوارت الضوضاء؟ أين من كان الحزمُ رداؤه، والهيبةُ ظلّه، والذَّكاءُ سيفه، والقرارُ الشجاع تاجه؟ أين من كان يزن الكلمة بميزان الذهب، فلا يرضخ لضغط ولا يلين لسطوة؟ لقد أفرغت بعض القاعات من روحها، وصارت مسارح هزلية يعتلي منصَّتها قضاة لا يمتون للقضاء بصلة سوى ما حملوه من ألقاب على بطاقات هوياتهم. وهؤلاء ليسوا عبئًا على قاعاتهم فحسب، بل عارٌ على جبين العدالة، ووصمةٌ على وجه السلطة القضائية. لكن العيب، كل العيب، ليس فيهم وحدهم. العيب في يدٍ فتحت لهم الباب، في #مجلس_قضاءٍ أعلى #ومعهد_قضاءٍ قَبِل الطالب لا على أساس الكفاءة، بل على مائدة الوساطة والولاء. العيب في سياسةٍ جعلت اختيار القضاة كاختيار المصفّقين، لا كما يختار الحارس مفاتيح بوابة الوطن. هكذا، حين يُعيَّن القاضي بقرار سياسي، لا بميزان النزاهة والعلم، لا تنتظروا أن يخرج من بين أيديكم فارسُ العدل، بل انتظروا أن يولد مُوظَّفٌ مرتعش اليد، فاقد البصيرة، يبيع الهيبة بثمنٍ بخس. ومع ذلك، يبقى في هذا الوطن قلَّةٌ نادرة من القضاة الشجعان، أولئك الذين يرفعون الهامة عاليًا في زمن الانحناء، ويحفظون للعدالة هيبتها، ويثبتون أن الشرف القضائي لا يزال حيًّا، وإن كان مُحاصرًا. إن القضاء، أيها السَّادة، لا ينهض بالنصوص وحدها، بل برجالٍ يحملون النص في قلوبهم قبل ألسنتهم، ويجعلون من المنصَّة عرشًا للحق، لا منبرًا للضعف. وحين نعيد لهذا العرش فرسانه الحقيقيين، سنرى العدالة تعود شامخة كما كانت، لا تمشي خلف أحد، ولا تركع لغير الحق.