محمود ياسين خمسمائة شخصية حقوقية وإعلامية دولية من قارات العالم الست هم الآن في قبضة الاحتلال. هؤلاء نخبةُ النخبة، وأسماؤهم تمثل القائمة الإنسانية الأمثل والأجدر بثقة مجتمعاتهم ومؤسساتهم الحقوقية والإعلامية. أنت الآن، أيها الأحمق، قد انتقلت من مجادلة عائلات الأسرى لدى المقاومة إلى حالة مساجلةٍ واستعداءٍ لعالمٍ بأسره؛ وهو الآن عائلةٌ واحدةٌ لخمسمائة أسير لديك. ولقد تابعت البشريةُ تفاصيلَ إيقافك لهم ومنعهم من أداء مهمةٍ إنسانيةٍ وقانونيةٍ تقرُّها كلُّ المواثيق الدولية وبرامج ومنهجيات حقوق الإنسان. كنت قد حصلت على تعريفِ المنتهكِ الأول لحقوق الإنسان وفقاً لجرائمك في غزة حصراً، وبقي هناك بعضُ المذيعين والصحفيين العاملين في مؤسساتك وشبكاتك التلفزيونية في الغرب يشكِّكون في هذا التعريف ويترافعون لتبرئتك وفقاً لحيثياتٍ تقولُ إنك لم تكن البادئ، وما شابه من مقولاتٍ: أنك وإن بالغتَ في ردة فعلك — إلا أنها تبقى ردةَ فعلٍ. الآن، وباحتجازك سفنَ قافلةِ الصمودِ وأسرِ طواقمها، إنما قمتَ بعمليةِ توثيقٍ باتٍ وقاطعٍ لكونك التعريفَ القاطعَ الذي لا يرقى إليه أي شكلٌ من أشكال المحاججة على أنك المجرمُ الحقوقيُّ الأولُ في التاريخ الإنساني برمته. ذلك أن ميلوشيفيتش مثلاً قد اقترفَ جرائمَ تطهيرٍ عرقيّ، لكنه لم يعتقل الناشطين الحقوقيين الذين حاولوا توثيقَ تلك الجرائم. فما بالك وقد مارَستَ جرائمك بشقيها: الإبادةَ وانتهاكَ الحقوقِ والحرياتِ الإنسانيةِ مباشرةً في نقلٍ حيٍّ تتابعه بالتفصيلُ الدنيا بأسرها. كأي مجرمٍ محاصرٍ، تنتقل كلَّ يومٍ إلى المستوى التالي من الإجرام، وتجعل من حياةِ ووجودِ مواطني دولتِك أمراً متعذِّراً في أيِّ مكانٍ في العالم. باحتجازك لخَمسمِائةِ أسيرٍ، نقلت الحالةَ الغاضبةَ الكارهةَ لك ولدولتك من كونها موقفاً عاطفياً إنسانياً إلى مرحلةِ الموقفِ الشخصي. لكل واحدٍ من هؤلاء مؤسسةٌ وزملاء وأقارب وتاريخٌ شخصي يحظى بالاحترام. الآن آلافُ المؤسسات ترفعُ قضايا، وآلافُ الصحف تتخذُ موقفاً قاطعاً لا لبسَ فيه ولا تأويل. الأبيضُ والأسودُ والملونون، ومتحدثو الإنجليزية والفرنسية واللاتينية و لغات آسيا القديمة المسيحيُّ بجوار المسلم، واليهوديُّ الطيبُ أيضاً معهم وكأنَّ ما تبقّى من ديانتكَ ليس إلا شرورها وتأويلاتها المخرفة ونزعاتها الإجرامية ونصوصَ كتابها المحرِّضة على العنف. حتى الكهنةُ المتبقون معك هم نسخةٌ منك. الآن في الزنزانةِ يسألُ البوذيُّ عن صحةِ رفيقهِ المسلمِ في الركن المقابل، وبينهما قبطيّ بحوزةٍ أمريكيةٍ وهنديٌّ نقيضٌ وفاضحٌ لكل ما بينك وبين رئيسِ وزراء الهند. ثمة يونانيةٌ من دموع فينوس، وإيطاليةٌ من آلّ مديتشي العائلة التي احتضنت عصرَ النهضة كلُّ الحضارات الآن خلف قضبانك. كلُّ الميثاقياتِ القديمةِ واتفاقياتِ حقوقِ الإنسان، كلُّ الأعراقِ والمعتقداتِ تخضع الآن للتحقيقِ معها بشأن تهمةِ الانحيازِ للإنسان، في عمليةِ مزجٍ للعاطفةِ الناقمةِ بين القارات الستّ. إنه شكلٌ من توزيعِ قذارتك على كلِّ بقاعِ العالمِ بعدالةٍ: عدالةُ من لا يلامسُ مفهومَ العدالةِ إلا وهو يوزِّعُ أذاه وشرورهُ بحصصٍ متناسبةٍ على الجميع.