منذ لحظة وصول ولي عهد المملكة العربية السعودية، الأمير محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض، بدا واضحا أن هذه الزيارة ليست مجرد لقاء دبلوماسي اعتيادي، وإنما حدث تاريخي يعكس حجم التوجه الاستراتيجي للمملكة على الصعيدين الإقليمي والدولي. استقبلت الولاياتالمتحدة ولي العهد السعودي استقبالا مهيبا، وشهدت الزيارة توقيع مجموعة اتفاقيات استراتيجية شاملة، شملت الدفاع والطاقة النووية والذكاء الاصطناعي وسلاسل التوريد، في خطوة وصفت بأنها نقلة نوعية في الشراكة السعودية ‐ الأمريكية وتأكيد على مكانة المملكة كلاعب إقليمي ودولي فاعل.
وأكد عدنان العديني، الناطق الرسمي باسم التجمع اليمني للإصلاح في تدوينته بمنصة اكس أن ما حدث في واشنطن يمثل تطورًا مهمًا يعكس رؤية السعودية لبناء قدرات اقتصادية وتقنية متقدمة، مضيفًا أن وجود دولة عربية بهذا المستوى من الشراكات والحضور الدولي يضمن للمنطقة موقعًا فاعلًا في موازين القوة وصياغة المستقبل.
ويؤكد خبراء أن التحركات السعودية والاتفاقيات النوعية تجسد رؤية واضحة للانتقال نحو اقتصاد معرفي متقدم وقوة إقليمية مؤثرة، ما يعيد رسم صورة المملكة على الخارطة الدولية.
ويضيفون أن الصفقة في الجانب العسكري، تُعد نقلة نوعية لقدرات المملكة الدفاعية، حيث تشمل أنظمة متقدمة وصواريخ جو-جو وطائرات حديثة وطائرات بدون طيار، إضافة إلى تحديث البنية التحتية للقوات البرية وأنظمة المراقبة والاتصالات، وهو ما يعزز جاهزية القوات ويطور منظومة الردع الاستراتيجي في المنطقة.
ويؤكد التكامل مع القوات الأمريكية متانة الشراكة الدفاعية، ويعزز الدور السعودي كعنصر رئيسي في أمن الخليج والشرق الأوسط، موجهًا رسائل واضحة لأي طرف يحاول اختبار قوة المملكة أو المساس بأمنها الإقليمي.
اقتصاديًا وتقنيًا، تحمل الاتفاقيات أبعادًا استراتيجية كبيرة، إذ تشمل الطاقة النووية والذكاء الاصطناعي وسلاسل التوريد، ما يعكس توجه المملكة نحو اقتصاد معرفي يعتمد على الابتكار والتقنية الحديثة. أكد هذا التوجه حرص السعودية على تعزيز الاستثمارات المشتركة وتوسيع التعاون الصناعي بين البلدين، بما يضمن قدرة المملكة على الانخراط بفعالية في منظومة اقتصادية عالمية متطورة، ويعزز موقعها في المنافسة التقنية والاقتصادية على المستوى الدولي.
لم يقتصر تأثير الصفقة على الأبعاد الداخلية أو الثنائية، فقد أحدثت أيضًا ردود فعل إقليمية ودولية، ومن على منصته في اكس فقد عبّر النائب و الإعلامي والمحلل المصري مصطفى بكري عن دعم قوي للصفقة، معتبرًا أن نجاح الأمير محمد بن سلمان في حسم صفقة طائرات سوخوي‐35 يعكس حكمة وجرأة القيادة السعودية في تعزيز قدراتها الدفاعية وبناء موقع مؤثر على المستوى الإقليمي والدولي.
وأضاف بكري أن الصفقة أثارت غضب إسرائيل، التي حاولت عبر بعض وسائل إعلامها وأذرعها الدعائية التشكيك في مواقف المملكة، رغم وضوح التزام السعودية بدعم حل الدولتين والحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
وأشار إلى محاولات إيدي كوهين، المعروف بمواقفه الصهيونية، مهاجمة المملكة واتهامها بما أسماه "ابتزاز الولاياتالمتحدة"، واصفًا هذا الأسلوب بأنه رخيص ويكشف عن حقد دفين تجاه السعودية ومصر، وختم بكري برسالة حاسمة: "موتوا بغيظكم!"
أما الجانب الرمزي، فقد كان الاستقبال الرسمي الكبير لولي العهد السعودي في البيت الأبيض، بما في ذلك اللقاء الثنائي مع الرئيس الأمريكي، رسالة قوية توضح تقدير الولاياتالمتحدة لحجم الشراكات الاستراتيجية مع المملكة، وتعيد التأكيد على الثقة المتبادلة بين البلدين في ملفات الأمن والدفاع والطاقة، كما تعكس قدرة السعودية على لعب دور مؤثر على مستوى صياغة موازين القوة الإقليمية والدولية.
تمثل زيارة ولي العهد وتوقيع هذه الاتفاقيات نقلة نوعية للمملكة على مختلف الأصعدة، فهي تعزز القدرات الدفاعية وتقنيات الأمن الوطني، وتؤكد رؤية المملكة نحو اقتصاد معرفي متقدم وقوة إقليمية فاعلة، وتثبت أن الدولة العربية يمكن أن تكون لاعبًا مؤثرًا وفاعلًا في الساحة الدولية.
ومن منظور استراتيجي، تُظهر هذه التحركات قدرة السعودية على التوازن بين تعزيز قوتها العسكرية، وتوسيع شراكاتها الاقتصادية، ورفع مكانتها السياسية في المنطقة والعالم، بما يضمن لها موقعًا محوريًا في صياغة موازين القوة المستقبلية.
يمكن القول إن هذه الزيارة ليست مجرد توقيع اتفاقيات، وانما إعادة تعريف لدور السعودية على المسرح الدولي، وتأكيد على حضور الدولة العربية كعنصر فاعل في رسم مستقبل المنطقة وتعزيز استقرارها، وهي خطوة تحمل في طياتها رسائل قوية لكل من يتابع السياسة الإقليمية والدولية، بأن المملكة السعودية مصممة على أن تكون قوة اقتصادية وعسكرية وتقنية تؤثر في مجريات الأحداث وتعيد رسم مكانة المنطقة في المستقبل.