أعتقدُ أن العلامة الرازي هو أول من نبّه لأهمية التباين في فن التلوين ، من خلال كراسته المختصرة عميقة المغزى بعنوان «إسالة الألوان»، وما لفت نظري في تلك المقاربة المبكرة والمبتكرة هو أن الرازي بدا عليماً جداً بالعلوم البصرية، وتقلبات الهيئات النابعة من الضوء، والامساك بالمُعادل السحري في تلك الطيوف، وقد كان لافتاً أنه اعتبر اللون الأسود سيد الموقف، بل مفتاح “صول” الموسيقى في علم الألوان، وزاد على ذلك باعتبار أن الأسود ليس لوناً، بل حالة تمظهر لوني ينبع من تعارض الضياء مع الظلام، وكأنما الَّلون الأسود دالة للضوء أولاً وثانياً. عند الأوروبيين الذين جاءوا من بعده، ظلَّ اللون الأبيض هو المعادل السحري الذي منه تنبثق بقية الألوان ،وقد كان اكتشاف ألوان الطيف النابعة من المنشور الضوئي بمثابة الحجة الدامغة في هذا الباب، فالمعروف أن كل الألوان تستحيل إلى سديم أقرب إلى البياض، في ظل ظروف مناخية أو حركية محددة.. آية ذلك أن مروحة الطائرة ذات اللون المحدد تستحيل إلىسديم بمجرد دورانها الصاعد، وسنجد ذات اللطيفة البصرية عند الشاعر “ الجاهلي” امرئ القيس في وصفه لحصانه قائلاً: مِكرٍّ مِفرٍّ مُقبلٍ مُدبرٍ معاً كجُلمود صخرٍ حطَّه السيل من علِ هنا نقف على فطنة امرىء القيس الذي يصف حركة الحصان المتسارعة، مُستعيناً بقوانين الفيزياء البصرية، واصفاً تلك الحركة بأنهاحالة تماهٍ تامٍ بين الكر والفر ، حتى إن الناظر لا يستبين جهة الحركة .. هل هي حالة كر أم فر .. إقبال أم إدبار.. ثم يُشبِّه ذلك التسارع بصخرة سقطت من علياء الجبل، فتسارعت بحسب قانون الجاذبية الأرضية، حتى إن الناظر لا يستبين الحركة بعينيه المُجردتين. في عصرنا الراهن نستبين مثل تلك الحركة عبر عين الكاميرا الفوتوغرافية التي تتمتَّع بخاصيتي التقريب والإبطاء، فتأمل عزيزي القارئ. وسنواصل الحديث غداً. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك