قلنا بالأمس إن الحركة المتسارعة تؤثر على الألوان ، وأن ذلك التسارع يعني في نهاية المطاف زوال النظر لتلك الألوان في كينونتها الأولى، لأنها تستحيل سديماً، ومن هنا رأت المدارس الأوروبية أن اللون الأبيض هو سيد الموقف، بل المُعادل السحري لبقية الألوان. غير أن الرازي قال قولاً آخر، واعتدَّ كثيراً بمركزية اللون الأسود، الذي وصفه باعتباره لايدخل في جنس الألوان وإن بدا ظاهراً أمام أعيننا!! . قال بأن الأسود دالة الرؤية، لأنه النقيض المُطلق للضياء، وتبعاً لذلك استقامت نظريته اللونية على مركزية الدكونة، واعتبار أن بقية الألوان المعروفة غير قابلة للتمظهر خارج الدكونة أو الظلام. لقد أومأ “النِّفري” ضمناً لمثل هذا المفهوم، ولكن في أُفق مفارق للفيزياء المادية، فقد كان محمد بن عبدالجبار النفري يرى أن الظلام طريق سالك للرؤية الحقيقية، وهو الذي قال بلسان الحق : وقال لي: قَعْ في الظُّلمة، فوقعتُ في الظُّلمة، فأبصرت نفسي!! من هنا نستطيع إدراك معنى “اللا رؤية” بوصفها الرؤية الحقيقة، ومعنى الغياب بوصفه حضوراً، وحتى الموت بوصفه مدخلاً لحياة أبهى وأزهى وأنبل. قال الحلاج : أقتلوني ياثقاتي إن في قتلي حياتي فحياتي في مماتي ومماتي في حياتي أنا عندي محو ذاتي من أجلّ المكرمات لقد كان الرازي وافر الحضور في الزمنين الفيزيائي والنفسي، وكان من شواهد عبقريته نظريته اللونية التي ألهمت كبار فناني الأنوار والنهضة الأوروبية، وخاصة الفنانين العتيدين «ديلاكروا» و«رمبرانت»، حيث إنهما أجليا قوة التعبير من خلال استخدام اللون الأسود بطريقة مُمعنة السخاء، فكانا علامتين فارقتين في المدرسة الفنية الأوروبية التاريخية، وللحديث صلة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك