محمولات اللون في المسرح تتعدد بصورة لامتناهية، تماماً كالصوت الذي لا يقتصر على منطوق أحاديث الممثلين، سواء كانوا فوق الخشبة أو خارجها، والشاهد أن الصوت المسرحي لا يتوقف على قول الممثل بل يشمل كامل المؤثرات الموسيقية والصوتية المجردة، بل الصمت الموحي الذي يلجأ إليه المخرج من آن لآخر.. وذات الحال فيما يتعلق باللون الذي نتابعه في ملابس الممثلين وألوان الديكور والمؤثرات اللونية النابعة من تعدد الإضاءات، وصولاً الى الإظلام المُتعمد للخشبة كشكل من أشكال التعبير. كان الفارابي يعتبر اللون الأسود رديف الظلام، وكان يرى أن مثابة هذا اللون لا تقل عن مثابة الأبيض، باعتبار أن اللون الأبيض وبحسب المفاهيم الفنية يمثل المُعادل الأشمل لبقية الألوان، وهو أمر مشهود في تجربة المنشور الضوئي الذي يُحيل السديم «غير المرئي» إلى ألوان الطيف. كل المعنيين بوظيفة اللون في اللوحة والفنون التطبيقية يعتبرون الأبيض معادلاً شاملاً لبقية الألوان، بل إن الأبيض كان وما زال منصة التمتين الفني والتليين التطبيقي لفنون التصوير بالألوان. وعلى مستوى التنظير الفني لم أقف على مغايرة لهذا المفهوم الا عند التاويين الصينيين والفارابي المسلم، فالصينيون النابعون من مفاهيم الفراغ التاوية يعتبرون كل لون بمثابة حامل لبقية الألوان، وذلك استناداً الى التدرج اللامتناهي لهذا اللون أو ذاك، ويرون أن هذا التدرج يؤدي إلى سديم بصري مشابه للزجاج، وفي حالة التكثيف تكون النتيجة المؤكدة دكونة لونية محايثة للعتمة. الفنان “رامبرانت” استند على الدكونة اللونية لاقتراح رسالة فنية جديدة مداها أن اللون الأسود مُعادل شامل لبقية الألوان. وبهذا المعنى استبدل الأسود بالأبيض في لطيفة من لطائف الاشارات التي تجعلنا نستوعب تفاعلية هذا الفنان مع المغرب العربي النابع من ثقافة بصرية مشرقية مؤكدة . رؤية الفارابي في رسالته الضافية عن الألوان نابعة من منطقة مغايرة لمألوف الثقافة اللونية الأوروبية،، فقد اعتبر الفارابي الضوء دالاً على السواد، وبالتالي نفى وجود السواد بوصفه لوناً !!، وقال عوضاً عن ذلك إن السواد ليس إلا عتمة نابعة من غياب الضوء، فتأمل معي أيها القارئ الكريم. وكما كان اللون قضية القضايا عند التشكيليين، فقد كان أيضاً ومازال قضية كبرى عند المسرحيين والسينمائيين. ومن هنا نتلمّس معنى انشغال المسرحيين بمعادلتي الضياء الساطع والدكونة المُعبّرة، كما نجد ذات الأمر عند التشكيليين، ولعل الفنان «رمبرانت» كما أسلفنا كان أكثر من جسّد هذه الحقيقة في تتبعه المتولّه بالسواد وتعبيريته، ولعله أراد تجسيد رؤية الفارابي، لكننا لا نمتلك الدليل على ذلك . مسرح اللون رديف التعبير المسرحي بأشكاله المختلفة، فالدالة اللونية مزاجها الديكور والاضاءات وملابس الممثلين، بل ميزانسين الفراغ المسرحي، حتى أنه يمكن القول بأن لغة اللون تتناسب طرداً مع بقية اللغات المُستخدمة أثناء العرض المسرحي . [email protected]