لمعرفة مفهوم اللون عند الصينيين لابد من الوقوف على الرؤى والمقاربات اللونية التي وجدناها في الآداب العربية والأوروبية حتى نتبيّن الفوارق الرئيسة بين ما ذهب إليه الأوروبيون وما يعتقده الصينيون. وبحسب قراءاتي المتواضعة رأيت أن "الفارابي" كان قد وضع رسالة قصيرة عن الألوان واستخدم فيها البرهان العقلي بالتجاور مع الرؤية البصرية، وعندما تحدث الفارابي عن الألوان لم تكن الاكتشافات العلمية قد بلغت مرحلة متقدمة، لكنه توغّل في استنطاق الشواهد وأعمل المنطق الشكلي والعقلي محاولاً إثبات أن الأسود ليس لوناً، وأنه رديف للظلام أو عدم الرؤية. وقال بأننا نعرف الأسود لوجود ألوان أخرى بجواره بدليل أننا لا نرى أصابعنا في مكان حالك الظلمة.. غير أننا يمكن أن نراها حالما يتسرب الضوء إلى ذلك المكان. أما بالنسبة لبقية الألوان فإن الفارابي أعطاها حقها الكامل في الوجود الموضوعي والبصري، كما أظهر من خلال تلك الرسالة المقتضبة درجة الشغف العلمي الذي وصل إليه أسلافنا الكبار ممن كانوا يريدون استنطاق المستحيل بالرغم من شحة الأدوات المعرفية والمختبرية. وبنقلة زمنية واسعة إلى المرحلة التأثيرية في فن التصوير الأوروبي سنرى أن اكتشاف ألوان الطيف أوصل علماء الألوان إلى قناعة بأن الأبيض هو المعادل السحري لبقية الألوان، لأنه الأقرب إلى الشفافية بالرغم من كونه غير شفاف، وبهذا المعنى انعكست المسألة رأساً على عقب، فبدلاً مما ذهب إليه الفارابي حول اللون الأسود، جاء الاكتشاف ليؤكد حيادية ومركزية اللون الأبيض. وبالمناسبة يجدر بنا هنا أن نعود إلى الفارابي مجدداً لأنه كاد أن يعتبر الأسود معادلاً لبقية الألوان؛ ولكن دون التصريح الواضح بذلك. عند التأثيرين أن اللون هو ما نراه لا ما نعرفه .. فإذا اكتست الشجرة لون الخريف أو الشتاء فإن ذلك هو اللون الأصلي، وليس ذلك الكامن في أذهاننا "اللون البنّي". هذا المنهج هو الذي حكم النزعة اللونية عند التأثيريين الذين استطاعوا التحرر من الثوابت اللونية للمدرسة الكلاسيكية.. كما استطاعوا توظيف اللون الأبيض كمعادل يتماهى ويحرك إيقاع بقية الألوان.