تماهى الفنان الفرنسي«ديلاكروا» مع الشرق وأحواله، وسجّل في رحلته المغاربية جُل أعماله، بل أكثرها أهمية، وقد أمعن في استخدام الضياء ومتوالياته التعبيرية المفارقة لمألوف التصوير في ذلك الوقت، وقد استوهمت غير مرة أنه ترجم عملياً ما كان قد ذهب إليه«الفارابي»في«رسالة الألوان »، وهي تلك الرسالة الإشكالية التي ترتقي بمقام اللون الأسود إلى مستوى الأبيض، بل تعتبر الأسود مفارقاً للألوان.. معادلاً سحرياً لها.. قريناً بالضياء والظلام، مما يمكن أن نتلمّس بعض آفاقه عند ديلاكروا. ديلاكروا يتموضع في بُعد بنائي مفارق للتكوين الأكاديمي القروسطي الصارم، فكل جزئية من عناصر لوحته تمثل محور ارتكاز، وينبري البُعد الثالث ليدوزن الصورة في الفراغ، بما يذكرنا برؤية الكلاسيكيين الجدد الذي خرجوا من تضاعيف القرنين الرابع والخامس عشر. كثيرا ما استخدم الفنان الرومانيكي الشهير ديلاكروا مقاربات لونية، ومقارنات جسدية بين الفارس وحصانه بما يحدونا إلى الاعتقاد بمركزية الحصان ونُبله، وبالرغم من أن الفارس هو الذي سيركب الحصان، لكن الأهم من هذا وذاك فضاءات التعبير اللوني المتناسق مع وحدة التكوين وقوة التعبير، مما جعل من ديلاكروا أهم فنان مُلوّن على مدى تاريخ الفن الأوروبي، ومما لاشك فيه أن الضياء المشرقي كان له أثر كبير في تميزه، بل كان بمثابة المُقدمة التي ألهمت لاحقا فناني الانطباع مما«رسموا ما يرون لا ما يعرفون» كما قال كبيرهم « سيزان » اعتد ديلاكروا بالاحتشاد البشري المغاربي كتعبير عن الواحدية في أساس التنوُّع، والشاهد أنه تتبّع الفرق الصوفية، وأدرك المعاني المُتسلسلة النابعة من سحر التنوع، ومن معنى« الفرق في عين الجمع»، ومن جمالية الفن الذي يقيم في متواليتي التلقائية والضبط الفني، مما يمكن ملاحظته في الأدوار الإنشادية الصوفية، والفرجوية الشعبية المغاربية . من أشهر لوحاته الفاجعة «اللقيطة» .. الباحثة من المعاني في سديم الفراغ واللا معنى، والنابشة لفضائع المجتمعات البشرية ، حيث يتم ظلم المظلوم دون حدود . تلك واحدة من تعبيرات ديلاكروا الاجتماعية المُكاشفة [email protected]