اليوم هو يوم الوقوف بعرفة ويوم جمعة، هو يوم غير سائر الأيام عند المؤمنين، فالأيام تأخذ روحها من إيمان المؤمنين بها وإلا فإن هذا اليوم هو يوم عادي عند غير المسلمين؛ هو هكذا في إحساسهم لكنه في إحساسنا عظيم وهو كذلك، هو عند الآخرين يوم من الأيام لأنهم لم يقتربوا من أسراره ولم يحاولوا أن يفتحوا صندوق أنواره، يوم عظيم عظمته تنبع من القلب والإيمان به، الإيمان الذي يشكّل كاشف ضوء على حقائق الزمان والمكان. عندما تقف بعرفة فأنت تقف في مكان يختزل الزمان والمكان، يتفتح فيه روحك ليقترب من حقيقة الكون وحقيقة الإنسان، هنا تقف عارياً إلا من رحمة الله، هنا يقف الناس سواسية حتى في ملابسهم وعباداتهم، لا توجد عبادة للأمير وعبادة للتابع، مناسك للغني ومناسك للفقير، الإنسان هنا إنسان كما خلقه الله، إنها قمّة المساواة التي خلق الله الإنسان كنفس واحدة، واخترق الإنسان هذا القانون ليتعالى على بعضه وليفتخر على نفسه، كم هو حقير هذا الإنسان الذي يحاول أن يدوس بعضه بالكبرياء والظلم والامتيازات، يوم عرفة يوم إعلان للمساواة التي خانها الإنسان. كل حروب البشر تنبع من فقدانهم لهذا المبدأ مبدأ «المساواة» وهو مبدأ يمثّل قاعدة لكل القيم قاعدة للحرية للكرامة للعزة للصدق للتواضع للحضارة، فمن يفقد قيمة «المساواة» ويرى نفسه أنه مخلوق أعلى فهو يفقد كل قيم الإنسانية ولا يمكن أن يتحلّى بأي خُلق؛ لأن الكبر رأس الأخلاق السيئة والشعور بالتميُّز العرقي أو السلالي أو المناطقي أو ما شابه هو شر محض. وقمّة هذا الانحطاط من يحاول استغلال الدين لفرض هذا التمايز تحت فكرة الاصطفاء؛ لأن الإسلام هو دين «المساواة» والمساواة لها معنى واحد، لكن الإنسان كان ظلوماً وجهولاً وخائناً للأمانة. في مثل هذا اليوم في «عرفات الله» وقف الرسول الكريم الذي أرسل للناس كافة رحمة للعالمين يخاطب الدهر ويقيم الحجة على الناس؛ وفي إحدى فقرات هذا الخطاب النبوي يقرّر القانون الإلهي الخالد، قانون المساواة «أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى – ألا هل بلغت....اللهم فاشهد، قالوا نعم – قال فليبلّغ الشاهد الغائب». مازال الواجب قائماً؛ فليبلّغ «الشاهد الغائب» دون مجاملة أو نفاق أو محاولة لي النصوص؛ وإلا فإن رسول العالمين خصمه يوم القيامة يكفي أن نتوقف في هذا اليوم عند معنى «المساواة» كقانون خالد لرسالة الإسلام بين البشر لنعرف الكارثة التي نعيشها في أوطاننا ومجتمعنا وحرياتنا وكرامتنا ودمائنا بابتعادنا عن هذه الوصية النبوية وعن هذا القانون الرباني. فليبلّغ الشاهد الغائب، ومن سمع من لم يسمع، ومن فهم من لم يفهم دون «لغّاجة» فمازالت الوصية لم تصل؛ بل وصلت مقلوبة عند البعض.. اللهم فاشهد. [email protected]