يفرط أغلب اليمنيين أثناء تعاطي القات في الطيران والتوغل في سماء أحلام اليقظة، فهي متعتهم الوحيدة التي يهربون إليها و يحشرون أرواحهم فيها لتأخذهم إلى حيث يصعب عليهم الذهاب هروباً من واقع مؤلم يصعب تقبّله وتصديقه, فهناك في تلك الأحلام تتحقق أهدافهم وأمنياتهم ومشاريعهم القريبة و البعيدة المنال. أحلام اليقظة ليست معيبة وليست جريمة، فمن وجهة نظر الباحثين في علم النفس هي تحويل الانتباه من حالة فيزيائية أو عقلانية باتجاه مشاهد خيالية ينسجها الدماغ لدوافع باطنية، هي عالم افتراضي ينسج الحالمون أحداثه ويعيشون تفاصيله ومن خلاله يفرغون الكثير من معاناتهم النفسية يخرجون من حالة الحزن والقلق والتوتر والكآبة إلى عالم السرور السعادة والثراء ويحققون أهدافاً يصعب تحقيقها في الواقع، ولأحلام اليقظة عند اليمنيين أشكال كثيرة متعدّدة ومختلفة بين الهادئ الرومانسي الناعم و الجاهل العنيف من حاملي فيروس جنون العظمة وقبيلته صاحبة القوة والتحالفات البهلوانية اللا معقولة التي لا بد أن تكون حاكمه، وفي اليمن أيضاً هناك شباب يحلم بالوظائف والابتعاد عن شبح البطالة وبناء مجتمع مدني لا يخضع لا لإرادة الشيخ الديني والقبلي، ونساء تحلم بالتعليم والعمل والعدل والمساواة، وأطفال بحدائق صغيرة يلعبون فيها، بينما أحلام اليقظة عند بعض شيوخ وأفراد القبيلة تأخذ شكل العنتريات والطرزانيات والرامبويات والبطولات الزائفة المتصلة بسلاح كثير وقصف القبيلة المجاورة والاستيلاء عليها، وعند بعض شيوخ الدين وأتباعهم تأخذ الأحلام شكل الحوريات والسبايا وتعدّد الزوجات القاصرات، جهاد واستشهاد, ذبح وتفجير وخلافه، وأما عند بعض الساسة فالبعض منهم يحلم بالتعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة, والبعض الآخر تتداخل أحلام اليقظة لديهم على نحو معوق فتظهر أحياناً كثيرة على شكل متلازمة توريت(Tourette syndrome)التي مريضها في العادة يُعاني من بعض الأعراض الوسواسية القهرية، والعدوانية والسلوك العدواني ضد الآخرين، فيطلق التهديدات والألفاظ البذيئة والنابية التي تخرج رغماً عنه و بشكل لا إرادي، وتتعدى حدود المعقول والذات تصل إلى حد الهذيان بتهديد الشعب أو جزء منه بالعقاب والحرب إن خرجوا عن الطاعة. والأسوأ في هذا النوع من أحلام اليقظة عندما تقع في ذهن شيخ قبلي أو عسكري جاهل يدّعي معرفة علوم السياسة، فهذا النوع من الحالمين لا يعرف لغة الحوار السلمي ويحب أن يرى الكل تحت إمرته ورحمته يسمعون كلامه وينفذون أوامره وإلا سيرون منه ومن شيوخ القبائل المتحالفة معه العين الحمراء واللون ذاته على أرضهم، هذا النوع من الحالمين خطر وتتعدى أحلامه حدود قبيلته ودولته القديمة والحديثة فيطير بخياله بعيداً ليصل إلى فلك الدول العظمى وأروقة الأممالمتحدة ومجلس أمنها ليخاطبهم جميعاً ويهددهم كطرف ند قادر على الوقوف ضدهم وهو حافي السياسة والاقتصاد والعقل والمنطق ويضع نفسه وشعبه في مواقف «بايخة» مضحكة ومخزية. المعيب في أحلام اليقظة لدى بعض الساسة اليمنيين هو اللعب على نغمات الأحلام لتحريف الحقائق والوعي على طريقة الناشط السياسي و الإنساني الأمريكي مارتين لوثر كينج I Have A Dream “عندي حلم”, الذي كان بحق وحقيقة يحلم بإنهاء التفرقة العنصرية بين البيض والسود وحلمه تحول إلى حقيقة لأنه كان شخصية وطنية، أما في اليمن فهناك من يسيطر على ثلث جغرافيا البلاد و هناك من أتباعه القليلة المثقفة تقول إن لديها حلماً بأن تتخلص من إرث الماضي والبدء في بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة, دولة مواطنة متساوية وتبادل سلمي للسلطة وحريات سياسية وشخصية يكفلها الدستور والقانون مع أن تلك القلة المثقفة تعرف أن قرار البدء و التحول من حلم إلى حقيقة في اليمن بيدها وبيد زعاماتها ومشايخها وجماعتها وقبائلها دون حاجتها للأحلام، وهي تعرف أن كثيراً من تلك الزعامات و شيوخ القبائل والعسكر وقوى النفوذ القبلي يحبون ويرددون نفس نغمة الحلم الذي تتمناه تلك النخبة القليلة المثقفة، ولكنهم لا يريدونه في الواقع لأنه سيفتح أذهان الناس وسيبني دولة القانون التي تخيفهم والتي حلم بها الشعب اليمني بعد 22مايو 1990, ولهذا تلك القوى السوداء دائماً ما تعزف على وتر الأحلام الوطنية الجميلة وهي تكذب، وغالبية الشعب اليمني يعرف ذلك, ويدرك أنها لا تملك رصيداً وطنياً و أن اليمن ووحدته آخر همها, وأن المهم عندها هو الحفاظ على مكتسباتها حتى ولو بالحروب والدماء التي أوصلت الشعب اليمني إلى أن يتجه نحو أحلام جديدة ومزعجة, وجميعها أحلام معقده وصعبة أربكت الوضع اليمني بكامله السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإنساني, ففي النهاية الجميع يعلم أن الأحلام دون إرادة التطبيق و التغير نحو الأفضل تبقى صوراً خيالية وأحلام يقظة مستحيلة.. الوحدة اليمنية هي الحدث الإيجابي المشرق والوحيد في تاريخ الأمة العربية والإسلامية و أكبر حلم تحقق في تاريخنا، الوحدة اليمنية هي حلم الآباء والأجداد تحول إلى حقيقة أطربتنا و أرقصتنا على نشيد الوطن الواحد، ولكن أحلام القلة الجاهلة الضيقة الأفق التي مارست الاستبداد السياسي والقبلي سارت فوق قدسية هذا المنجز العظيم باسم القبيلة, وراحت تسبح بخيالاتها المريضة خارج المصلحة الوطنية, فشرعت في خصخصة الوحدة و الوطن والشعب ومن منطلق أحلامها الفردية والعائلية والقبلية باعت واشترت وتصرّفت في كل حبة تراب تحت أقدامنا وفي كل متر من شواطئنا وسمائنا، فجلبت المصائب والفقر والكراهية والانقسامات والثأرات والحروب لليمن وناسها, فهدمت بذلك أسس الوحدة والإخاء والمودة, ونجحت في إعادة مفهوم الوحدة اليمنية إلى ذهن المواطن اليمني في صورة حلم يقظة جميل.