بناء الأوطان لا يحتاج فقط لنوايا معقودة بالأمل وقلوب زاخرة بالحب، فالأصل في البناء فكرة ووسيلة حتى يصبح هذا البناء واقعاً لا محالة. وكيف يمكن أن نبني وطناً نمر على تضاريسه كل يومٍ دون أن تتحرك فينا مشاعر الوطنية وأحاسيس الانتماء؟! كيف يحدث ذلك ونحن نحتسي كأس السلبية حتى جفت فينا منابع المبادرة والتضحيات؟!. إن هذا الوطن العظيم الذي خذله أبناؤه لن يصل إلى قمة الهرم الحضاري حتى يكون الشعب الذي يسكن أراضيه شعباً يحيا تفاصيل الوطنية ويتفنن في التفاعل معها. فهذا التخاذل والاتكالية والسير على أنصاف الحلول المتراصة على حبل البهلوانية يحرق مساحة الحماس في قلوب الطيبين ويمسح على رؤوسهم بجنازير الفشل ويفتح أبواب الخلاف بين من يريد ومن لا يريد، والحقيقة أن الوطن ليس بحاجة إلى المزيد من العواصف التي لا تجرف في طريقها إلا الأبرياء بأحلامهم العملاقة النابضة بحب الوطن. معاً يمكن أن نشكل صفاً ونبني هرماً ونحدث تغييراً ونحرك جبلاً ونحفر نفقاً ونصنع معجزة وننتج حضارة.. معاً يمكن أن يكون للوطن شكل آخر، لكن لن يحدث هذا ونحن نتحرك في شكل مبادرات عمياء هزيلة جل ما تصنعه أن تجمع نفايات الشوارع ليعود الناس إلى رميها من جديد. إنما سيحدث التغيير حين يكون الشعب بأكمله هو صاحب المبادرة وهو المنفذ لها والمخطط لنتائجها الإيجابية وصاحب التقييم لنجاحها أو تعثرها. لهذا نقول إننا بحاجة إلى ثورة فكر وقيم وبناء إنساني، فقد ثار الشعب على نظام لم يأبه لبنية تحتية ومتطلبات معيشية أساسية لكنه غفل عن ثورة عاقلة تهتم ببناء الفرد وتقيم دوره العظيم في تطور المجتمع. قد يستطيع المال تذليل الكثير من الصعوبات لكنه لا يستطيع أن يبني أمة مؤثرة إلا إذا تبنى عقول أبنائها. وهذا هو المنهج المحمدي الذي علمه لنا رسولنا الكريم حين جاء متمماً لمكارم الأخلاق ومكملاً لفضيل الصفات ومؤسساً لجميل الصنائع، وبهذا وحده استطاع أن يبني أمة عظيمة قادتها أصحاب إرادة وأولو عزيمة حازوا الجنان برضى الرحمن يوم أعلوا راية الحق وكانوا يداً واحدة لإزهاق الباطل. إن وحدة الرأي الصائب، وتوحد المشورة من عوامل النجاح والارتقاء للأمم التي تحسن استثمار طاقاتها الإنسانية وتؤمن بالفرد كحجر أساس ونقطة انطلاق وليس جسر عبور إلى مشاريع سياسية مؤقتة لا تحفظها ذاكرة التاريخ. “سوا نبنيها” يجب أن لا تبقى في أرشيف الأغاني الوطنية مجرد كلمات تطرب الإحساس للحظات ثم لا تلبث أن تطويها صحيفة النسيان بل يجب أن تتحول إلى منهج وطني متكامل يؤديه الجميع بشكل عملي وبمنتهى الحب والتضحية.