كنّ طالبات علم لا أكثر، في الصباح يتركنّ دفء الفراش ويلتحفنّ برد رداع، ويقذفنّ بالثقافة القاصرة والنظرة الزائفة إلى المرأة وراء ظهورهنّ، ويذهبنّ إلى مدارس وجامعة البيضاء. هناك في أروقة المدارس والجامعة يكاد المرء أن يرى البرد على هيئة شبح يلتحف عباءة وبندقية ولحية تقاتل العلم ومخيّلة محشوة بأوساخ السنين. في رداع السلم هو الاستثناء، ورائحة البارود هي القاعدة التي تنطلق منها يوميات أشخاص ألفوا العيش مع الموت، وإذا كنت تتجوّل في رداع سيكتشفك الناس سريعاً أنك لست من أبنائها؛ لأنك الوحيد الذي يفزعك صوت الرصاص، ويرهبك منظر الرؤوس المتطايرة، أما الأهالي فهذا منظرهم اليومي الاعتيادي. في رداع «أنصار الله» يتقاتلون مع «أنصار شريعته» وعباده هم الضحايا، وفي رداع أيضاً توضع الأسلحة إلى جوار ألعاب الأطفال وبيجامات الشتاء في مستودع واحد، وفي رداع لا صوت يعلو فوق صوت الرصاصة والقذيفة، ولا مكان للسلام إلا بحدود ما يسمح به السلاح..!!. الثلاثاء الماضي كان شبح حربٍ يترصّد شبح حربٍ آخر، وما أن رآه حتى استهدفه بقذائف شتى، واحدة فقط منها استقرّت في جسد حافلة كانت تقل طالبات «مدرسة الخنساء» أثناء عودتهنّ إلى بيوتهنّ وأودت بحياة 16طالبة. لو أن جميع الرجال المتقاتلين هناك من كل الأطراف قد قتلوا وأفناهم الله من الأرض لكانت الفاجعة أقل والمصيبة أهون، فهؤلاء 16 طالبة علم، هنّ شموس السنوات القادمة، وهنّ قوة اليمن، وعماد تنميتها ونهضتها، كل واحدة منهنّ كانت ستبني أسرة وتربّي جيلاً وتتخصّص في أحد علوم الحياة، هنّ الماء الذي سيفيض على تربتنا القاحلة، والخير الذي سيزور أيامنا الكالحة، أما أنتم أيها المتقاتلون هناك؛ فأنتم حملة الموت وضيوف الفاجعات. المجرمون الذين تبنّوا العملية قالوا إنهم كانوا يستهدفون طقوماً عسكرية ل«أنصار الله» وأنهم أصابوا حافلة الطالبات بالخطأ أثناء مرورها من أمام نقطة تفتيش كان يقف إلى جوارها طقم حوثي، معتقدين أنهم بذلك أسدلوا على جرائم ترويع الآمنين. [email protected] رابط المقالع على فيس بوك رابط المقال على تويتر