في رحلة توعوية فريدة من نوعها استهدفت فئة المهمشين في مديريات مختلفة من محافظة تعز رأيت مالم تره عيناي من قبل وأحسست بقيمة اجتماعية كبيرة لم أكن لأشعر بها لولا مسحة السخط على الذات التي يشعر بها هؤلاء المهمشون على أنفسهم.. فقد كان مشروعاً للتعليم المالي والاجتماعي للمهمشين يهدف للتمثيل المالي والدمج ضمن المجتمع يتبناه بنك الأمل ومنظمة اليونسيف ومؤسسة الأمل لريادة الأعمال وصندوق الرعاية الاجتماعية وكل تلك الجهات الأربع عملت قبل اليوم في مشاريع عديدة لإخراج المهمشين من محواهم الفكري والنفسي قبل المحوى الجغرافي الذي يعيش أحدهم ضمنه فارغاً من أي قيم اجتماعية سامية تدعو للتشارك وبناء العلاقات وترجمتها إلى سلوك إنساني شائع أو طبيعي متكرر. فقد رأيت ولمست أسباباً كثيرة لتلك العزلة التي يحياها المهمشون أو فئة الأشد فقراً كما يحلو لمنظمات أجنبية ومحلية تسميتها. وطبعاً لا فرق لدى هؤلاء في هذه التسمية أو تلك، فالحال لا يمكن وصفه بعنوان أو وضعه تحت بند لأنه يتجاوز تلك المحطات الفنية والتكتيكية واللوجستية بكثير. وبرغم ضخامة المشروع وبعد أهدافه واهتمام جميع أطرافه بالجانب الإنساني قبل كل شيء أثناء توعية الفئة المستهدفة فيه إلا أن المتأمل للقناعات المتراكمة لدى أفراد هذه الفئة تجعل الرؤية واضحة لكن الهدف أبعد والأمل أضعف في إمكانية أن يكون لهؤلاء شخصية اجتماعية أو حضور إنساني معتبر. فعلى وجوه هؤلاء ترتسم صورة تاريخية تحكي قصة الإنسان الأسمر بكل ألوانها المتباعدة والمتقاربة وبكل تفاصيلها المتينة والهشة. رأيت أمام عيني وجوه أطفال معزولة عن المرح، ولمست كيف تحيط سياج الدونية بقلوب النساء، وأدركت لماذا يعيش هؤلاء برجالهم ونسائهم وأطفالهم بيوت القش والصفيح تحت الحصار المجتمعي أو الاجتماعي إن أراد القارئ أن يجعل لها بعداً محلياً أكبر، لهؤلاء قيم ثابتة وراسخة حول الإنسان الأبيض، فهو صاحب مطامع وذو نعرة عرقية لدرجة أن تصل أحياناً لدرجة التأله على الضعاف السود الذين سلحتهم المواقف الاجتماعية المتتالية منهم بالحقد والضغينة وانتظار الفرصة الملائمة للخروج من عباءة الصمت الإجباري خارج أسوار الإرادة. أطفال ينتعلون الرغبة في الحياة رغم قسوة التضاريس وكثافة أشواك المستقبل، نساء لا يفصلهن عن الجهل حائل ولا يقف بينهن وبين الوقوع في مستنقع الخطأ والخطيئة حجاب، رجال تشرخت أقدامهم وجفت رحى أيديهم وتناثرت عن أكتافهم المسئوليات وهم يرزحون تحت وطأة المهن الدونية دون شكوى.. فكيف يمكن الوصول إلى قلوب هؤلاء وقد انتصبت حولها القضبان كأقسى ما يكون، وكيف يتسنى لمثلنا بسط أمتعتهم على عقول تفجر حولها الألغام العرقية كل يوم لدرجة أن يكون أحد هؤلاء عبداً لدى سيد، وتكون إحداهن أمة لدى ربة حسب ونسب. السود والبيض قصة بدأت منذ سقوط هابيل قتيلاً بين يدي قابيل وستبقى حتى يسقط آخر رجل أبيض بين يدي ثقافة السيادة والشرف. عملت بكل قواي بينهم حتى نسيت أنني أيضاً أنتهي لأعلى طبقة اجتماعية وفق تصنيف عرقي جائر لم ترتضيه لنا تعاليم ديننا الحنيف، لكنني كنت أموت مراراً حين يمتهن أحدهم نفسه أمامي وكأنه قد تجرد من كل أثواب الكرامة والاعتزاز بالنفس. [email protected]