محمد إموازي أو جون الانجليزي (ذبّاح داعش) ذاك الذي يقوم بذبح ضحاياه الأسرى بوحشية قل نظيرها، لتجسد شخصيته التجلي الأكثر رعباً للتطرف، ويكفي أن تتخذ بذاتها نموذجاً لإماطة اللثام عن العلاقة الخفية بين الغربة والتطرف. نشأ إموازي في الكويت غير ان أسرته هاجرت إلى بريطانيا لتعيش هناك هرباً من الاضطهاد، ويبدو أنهم من (البدون) تلك الفئة الاجتماعية التي لا تمتلك جنسية إذ يكتب على هوياتهم الشخصية.. الجنسية: بدون.. وفي بريطانيا حيث المحيط المكتنز ببيئة مغايرة لما اعتادوه في مجتمعهم المسلم، كثيراً ما تصبح هكذا بيئة ملائمة تماماً للتطرف والتعصب الديني حصراً.. وبعدما أماطت وسائل الإعلام النقاب عن ذباح داعش فقط بأيام، كشفت أيضاً عن ثلاث فتيات مسلمات هربن من أوروبا وحاولن الالتحاق بداعش قبل أن يتم القبض عليهن. وقبل ذاك أنتجت بيئة مماثلة، أنور العولقي الأمريكي المسلم ذا الأصول اليمنية الذي كان يعيش في الولاياتالمتحدةالأمريكية، قبل ان يتولى قيادة تنظيم القاعدة في اليمن ويُقتل في إحدى الغارات الجوية. النماذج كثيرة، والاستدلالات جميعها تكشف العلاقة بين الغربة والتطرف، فبعد أن كان الدين في المجتمع البسيط والريفي تحديداً امتداداً للتقاليد اليومية والأعراف ولروتين الحياة بين أفراد الأسرة الممتدة، تُعاد صياغته في مجتمع الغربة بشكل أكثر وضوحا وأيديولوجية، ويجري قولبته في نماذج متطرفة وجامدة، لا تعكس ما هو عليه حقيقة، كتعبير خلاق على الارتباط العفوي بين العبد وخالقه.. بدلا ًعن ذاك يصبح اللجوء إلى الدين في مجتمع الغربة تحصيناً للهوية وحفاظاً على تماسك الأسرة ووقاية لها من الانخراط في الجريمة. الغربة لا تنشأ فقط عن انتقال الفرد إلى مجتمع مغاير لدينه وتقاليده، فهي معنوية قبل أن تكون حسية، ويكفي لها شعور الفرد بالاغتراب عن واقعه وبيئته الاجتماعية.. وكلما ازدادت درجة تعقد المجتمع، أضحى أكثر عرضة لنشوء النزعات التطرفية والتعصب، بسبب اضمحلال العلاقات الحميمة التي ألفها الفرد في مجتمعه البسيط، والشعور القاسي بالوحدة كسمة خاصة للعيش في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، التي تعج بكثرة الغرباء والندرة النسبية للأهل والأصدقاء الحقيقيين. والبذور الأولى لنزعة التعصب، نشأت في مصر مطلع سبعينيات القرن العشرين حيث أكثر المجتمعات في العالم تحشيداً واكتظاظاً بالسكان، عندما برزت جماعة (التكفير والهجرة) علي يد شكري مصطفى كنتاج للشعور بالاغتراب عن المجتمع، الذي حذا بمؤسس الجماعة إلى تكفير المجتمع كافة داعياً إلى نبذه والهجرة عنه مع ما يحمله الأمر من تبرير لممارسة أقصى أشكال العنف ضده. [email protected]