الحارس القضائي.. النسخة الحوثية من "اللجنة الخمينية لتنفيذ أمر الإمام"    وجود رشاد العليمي في عدن لن يعيد الدولة الجنوبية    أكاديمي: الحرّية الدينية بوابة لكل الحريّات السياسية والمدنية    تحذيرات من دعوات مشبوهة: لجنة وزارة الدفاع ومحافظ أبين يتفقدون جبهة عقبة ثرة    "مسام" يواصل تطهير اليمن من الألغام الحوثية بإتلاف 659 لغماً في باب المندب    اليونيسف: نحو 3 آلاف طفل في غزة معرضون لخطر الموت    مستشار الرئيس الزُبيدي يكشف عن تحركات لانتشال عدن والجنوب من الأزمات المتراكمة    مليارات شبوة توزع على المحاسيب... لا سيارة إطفاء ومصانع تحلية المياه تطفي حريق في أكبر الفنادق    كشف تفاصيل مثيرة عن "الأغبري" الذي اتهمته جماعة الحوثي بالتجسس لأمريكا وعلاقته بشقيق زعيم الجماعة    الحوثيون يختطفون إمام مسجد رفض توجيهاتهم    وديًّا: رونالدو يقود البرتغال للفوز على أيرلندا    السمسرة والبيع لكل شيء في اليمن: 6 ألف جواز يمني ضائع؟؟    20 محافظة يمنية في مرمى الخطر و أطباء بلا حدود تطلق تحذيراتها    "تعز تواجه عقبة جديدة: شيخ قبلي يطالب بمبالغ مالية للسماح بإكمال مشروع الجسر"    مليشيا الحوثي تصعّد إجراءاتها الأمنية في طريق مأرب - البيضاء وتزيد الطين بله في طريق المسافرين    مدرب وحدة عدن (عمر السو) الأفضل في الدور الأول في بطولة الناشئين    الآنسي يعزي رئيس تنفيذي الإصلاح بمحافظة عمران في وفاة والده    العليمي يؤكد المضي قدما في إجراءات توحيد وتكامل القوات المسلحة والأمن    ضيوف الرحمن يواصلون توافدهم إلى مكة المكرمة استعدادا لأداء مناسك الحج    اليويفا سيمنح برشلونة 50 ألف يورو    البنك المركزي يوضح سبب صرف مرتبات مايو عبر البنوك الموقوفة    النائب حاشد يغادر مطار صنعاء الدولي    اليمن يرحب باعتماد مجلس الأمن الدولي قراراً يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    مول سيتي ستار في عدن.. سوق تجاري بمضمون خيري إنساني مراعاة لظروف الأسر الاقتصادية    بكر غبش... !!!    «كاك بنك» يسلم ثانوية لطفي جعفر أمان مواد مكتبية ومعدات طاقة شمسية    عفاش وبضاعته المزيفة ومن يحلم بعودة نجله    بطعنات قاتلة.. شاب ينهي حياة زوجته الحامل بعد فترة وجيزة من الزواج.. جريمة مروعة تهز اليمن    بالفيديو.. رئيس ''روتانا'' يفاجئ الفنان محمد عبده عقب عودته من رحلته العلاجية .. وهذا ما فعلته ''آمال ماهر'' مع فنان العرب    صواريخ حزب الله الجديدة تهدد تفوق الطيران الحربي الصهيوني    موراتا يطلب الانتقال إلى الدوري السعودي    الإطاحة ب''نصاب'' جنوبي اليمن وعد مريضًا بالفشل الكلوي بالتبرع بإحدى كليتيه وأخذ منه نحو مليوني ريال    مساء اليوم.. المنتخب الوطني الأول يواجه النيبال في تصفيات آسيا وكأس العالم    مليشيات الحوثي تسيطر على أكبر شركتي تصنيع أدوية في اليمن    منظمة حقوقية: سيطرة المليشيا على شركات دوائية ابتزاز ونهب منظم وينذر بتداعيات كارثية    انهيار جنوني .. محلات الصرافة تعلن السعر الجديد للريال اليمني مقابل العملات الأجنبية صباح اليوم    حسام حسن: البعض يخشى نجاح منتخب مصر.. والتحكيم ظلمنا    عن جيراننا الذين سبقوا كوريا الشمالية!!    هل فقدت مليشيا الحوثي بصيرتها؟!    حكم التضحية بالأضحية عن الميت وفق التشريع الإسلامي    إتلاف كميات هائلة من الأدوية الممنوعة والمهربة في محافظة المهرة    تشيلسي مهتم بضم الفاريز    إعلان مفاجئ من بنك الكريمي بعد قرار البنك المركزي بعدن وقف التعامل معه!!    مجلس الأمن يتبنى مشروع قرار يدعم مقترح بايدن لوقف إطلاق النار بغزة    السلطات السعودية تكشف عن أكبر التحديات التي تواجهها في موسم الحج هذا العام.. وتوجه دعوة مهمة للحجاج    النفط يرتفع وسط توقعات بزيادة الطلب على الوقود خلال الصيف    آخر ظهور للفنان محمد عبده عقب تلقيه علاج السرطان .. شاهد كيف أصبح؟ (فيديو)    الحوثيون يمنحون مشرفين درجة الماجستير برسالة واحدة مسروقة وتم مناقشتهما(أسماء)    فضل الذكر والتكبير في العشر الأوائل من ذي الحجة: دعوة لإحياء سُنة نبوية    مانشستر يونايتد يسعى لتعزيز هجومه بضم المغربي يوسف النصيري    خلال تدشين الخدمة المدنية للمجموعة الثانية من أدلة الخدمات ل 15 وحدة خدمة عامة    افتتاح جاليري صنعاء للفنون التشكيلية    وفاة واصابة 4 من عمال الترميم في قبة المهدي بصنعاء (الأسماء)    عالم آثار مصري شهير يطالب بإغلاق متحف إنجليزي    أحب الأيام الى الله    السيد القائد : النظام السعودي يتاجر بفريضة الحج    النفحات والسنن في يوم عرفة: دلالات وأفضل الأعمال    ما حد يبادل ابنه بجنّي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ غريب
نشر في الجمهورية يوم 21 - 03 - 2007

يسمونه الأستاذ غريب ويناديه البعض بالدكتور غريب.. والأستاذ غريب هذا هو من الحالات التي ينطبق فيها الاسم على المسمى كما يقولون فهو شخص غريب وعجيب بكل ما تحويه الكلمة من معانٍ ،شخص يجمع بين مفارقات شتى ومتناقضات عدة ولكنه مع ذلك إنسان اعتيادي يمارس كافة طقوس الحياة مثله مثل أي إنسان.
ستسألونني: كيف؟
أقول لكم كيف:
الأستاذ غريب لم يعرف الهناء قط طيلة حياته،إنه يبدو وكأنه في حالة خصام دائم مع السعادة ، ومع ذلك قلما تجده حزيناً أو متبرماً فهو يبدو في حالة مرح دائم،لاتفارق الابتسامة شفتيه بمناسبة وبدون مناسبة، ينفجر قهقهة لأتفه النكات والطرف،تحاصره المشاكل والآلام فلا يأبه له وتجده يتألم لأبسط محنة يتعرض لها هذا الإنسان أو ذاك،يشفق على المرضى وهو الذي يعاني مرضاً مزمناً لاأمل في الشفاء منه...يتحسر لأحوال الفقراء وهو الفقير المعدم الذي لايمر شهر إلا ويستدين فيه أضعاف المرتب الذي يتقاضاه لاستيفاء لوازم المصاريف الشهرية على أسرته المكونة من أحد عشر فرداً..ينصح الآخرين بالتقشف وهو الذي لا يستقر الريال في جيبه يوماً واحداً..يعاتب الذين يكثرون من إنجاب الأطفال وهو الأب لثمانية من البنين والبنات والبقية تأتي...يقدم الخير والإحسان للآخرين وغالباً مايكافأ بالنكران والجحود.
الأستاذ غريب له قصة مع اليوم العاشر من كل شهر،ففي هذا اليوم يكون الأستاذ غريب قد أنفق آخر ريال من مرتب الشهر الماضي، بمعنى أن عليه أن يبحث عن مصدر جديد لتدبير نفقات الأسرة لما تبقى من أيام الشهر.
لكن ميزة هذا الشهر أنه يتزامن مع بداية العام الدراسي بما يتطلبه من مصاريف استثنائية مقابل مستلزمات المدرسة من دفاتر وأقلام وملابس وأحذية ورسوم دراسة وسواها مما تتعملق أسعاره من عام إلى آخر بشكل خرافي مقابل المرتب الضئيل الذي يزداد تقزماً وهو ما أوقع الأستاذ غريب في «حيص بيص» كما يقولون.
في الشارع مر به أحد المتسولين الذين ازداد عددهم هذه الأيام بشكل لافت للنظر وطلب منه بصوت تملأه المسكنة والانكسار والمذلة:
"شي لله يا أخي... الله يفتح عليك"
وقد شعر بحرج كبير من الموقف،وبصعوبة شديدة قال له:
"الله كريم ياوالدي"
ولكن المتسول وقبل أن ينصرف خلع لغة المذلة والمسكنة وصرخ في وجهه:
ياراجل حرام عليك! تبخل على المسكين حتى بخمسة ريال..ياراجل استحي على نفسك استحي...ألا تخاف من ربنا؟!
وأمام كشك الجرائد وبعد أن تصفح عناوين معظم الصحف والمجلات دون أن يشتري واحدة منها استوقفه أحد زملاء الدراسة الثانوية وترجاه أمام الباعة والمشتريين بأن يمنحه خمسين ريالاً على سبيل الاستلاف.
وكان موقفه في غاية الحرج فهو لايود أن يرى أحد رده السلبي على طلب زميله وليس لديه ما يعطيه،وقد انفرد بالزميل بعيداً عن أنظار الجمع وحلف له بأنه لايملك حتى ريالاً واحداً ولكنه وعده إلى مابعد تسلم المشاهرة،غير أن الصديق انصرف غاضباً وقال له أمام الجميع:
وهل تعتقد أنني سأصدقك؟..دكتور..وموظف حكومي...ونظارات..وبنطلون ..وأبهة ولاتملك خمسين ريالاً"؟..حقاً لقد ولى زمن الحياء.
وانصرف الرجل غاضباً.
في سوق السمك وقف الدكتور غريب محتاراً أمام نداءات الباعة فهذا يصيح:
الثمد يادكتور ! وآخر يناديه:
اللخم ياأستاذ ! وثالث يدعوه:
الزينوب ياأستاذ غريب،الخط بمائة والصغير بخمسين!
ورابع يعرض عليه الديرك وخامس الباغة «1».
وكان يقف خجلاً محتاراً ليس لأنه لايدري ماذا سيفضل من أنواع السمك،لكن لأنه لايستطيع أن يشتري شيئاً..ماذا عسى أن يقول؟هل يقول لهم ليست لدي نقود؟..ومن سيصدقه؟
فكر في أن يطلب من أحدهم إعطاءه بالآجل ولكنه استثقل الأمر واحتار كيف يتخلص من البائع الذي يلح عليه بأن يشتري منه،ولعن اللحظة التي فكر فيها بدخول سوق السمك وأخيراً اهتدى إلى حيلة للتخلص من هذا المأزق بأن سأل البائع:
إلى متى ستشتغل؟
إلى الساعة الواحدة ظهراً..لكن السمك بايكمل يادكتور!
طيب ..طيب سأعود بعد قليل.
وانصرف يتنفس الصعداء حامداً الله على التخلص من هذه الورطة وأقسم أن لايدخل سوق السمك إلا وفي جيبه شيء من النقود.
ذات مرة التقى الأستاذ غريب صديقه محمد الحسيني وهو صديق قديم منذ أيام العمل المشترك في إحدى المدارس الريفية التقاه في إحدى الإدارات بعد فراق دام سنوات،وبعد العناق والمجاملة والسؤال المتبادل عن الأحوال اقترح غريب على صديقه محمد أن يأتي معه إلى المنزل لتناول الغداء معاً ولم يمانع الصديق.
وكانت ورطة لن ينساها غريب مدى الحياة فالمنزل خال إلا من قليل من الأرز والسكر ،والتاريخ قد تجاوز العاشر من الشهر،واستضافة صديق عزيز تتطلب ما لايقل عن ألفي ريال،لقد كان عليه أن يبحث عن مبلغ كهذا لتدبير نفقات وجبه لائقة بصديق عزيز،وهو يعلم أن فرخ الدجاج يتطلب ثلاثمائة وخمسين ريالاً وكيلو الطماط ستين ريالاً وقس على ذلك البصل والبطاط والسلطة وبقية اللوازم.
وعاتب نفسه:
ترى كيف أوقعت نفسي في هذه الورطة العويصة!
وفكر في سوق السمك ولكن حتى هذا من أين سيتدبر تكاليفه وهو يعلم أن سعر الكيلو السمك أكثر من ثلاثمائة ريال بينما لايملك حتى العشرة ريالات!
في طريقه إلى السوق التقى عشرات الأصدقاء وهو يعلم أن بعضهم بحوزته المئات«إن لم يكن الآلاف» من الريالات ولكن كيف له أن يجرؤ على طلب أحدهم ولو مبلغاً ضئيلاً لمجابهة هذا المأزق الذي أوقع نفسه فيه.
وأخيراً التقى جاره يوسف،وبعد أن تصبب عرقاً من جميع المسام وبعد مقدمة طويلة عريضة راح الأستاذ غريب يشرح لجاره يوسف كيف أنه وبطريقة الخطأ ارتدى القميص الجديد ونسي النقود في جيب القميص الآخر وأنه محتاج إلى مبلغ ألف ريال وسيسددها بعد أن يعود إلى المنزل،ولم يتردد يوسف في إعطائه المبلغ المطلوب،وكانت وجبة عامرة بالسمك و«الصانونة»«2» فرح لها الأطفال أكثر من فرحتهم بيوم العيد ،أما الضيف فقد شكر صديقه من الأعماق على حسن الاستقبال وكرم الضيافة وصدق المشاعر.
غير أن الدكتور غريباً ظل يتحاشى اللقاء بجاره يوسف وكان يتخفى منه كلما شاهده طوال أيام الشهر حتى يوم تسلم المرتب الشهري.
1 الثمد،اللخم،الزينوب،الديرك والباغة أسكاء لأنواع من السمك.
2 الصانونة:وجبة مطبوخة من الخضار مخلوطة باللحم أو السمك أو بدونهما وفهي من الطبخات الشائعة في اليمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.