لايعيش الفن بمعزل عن أثر الحالة السياسية.. حين يتعرى السياسي، يتعرى الفن أكثر فأكثر، حين ينحط، ينحط الفن أكثر، حين يجنح الزعماء إلى سلام مهين، يوجد من يزعق بصوت عالٍ «السلام عليكم.. طب إس إس»، وحين يتضاءل طموح الساسة الكبار وتتسابق الشوارب الفتيلة، تبوس أيادي القتلة نظير متر مربع من التراب المغتصب، يغني أحمد عدويه «هات لي جمال على قد الحال»، وتطل هيفاء وهبي على المشاهد الغلبان، بملابس داخلية، ومن على حافة سرير، لتقول له «بوس الواوا.. »، بينما تنصحه نانسي بأن «يزعل نُص نُص» حتى يكون ليبرالياً ولايتهم بالراديكالية والتطرف !! - هذا الانهيار في المشهد الفني، كنتيجة حتمية لانهيار المشهد السياسي، يبقى - في أسوأ الأحوال - انهياراً نسبياً.. فكما في السياسة، هناك في الفن - دائماً - حالة ممانعة مقابل كل حالة تهتك وانمساخ واسترخاء. هناك «ماجدة الرومي» مقابل ألف هيفاء، وهناك «جوليا بطرس»، مقابل ألف «فوركاتس» ويوري مرقدي، ولايزال بلفقيه، وعتاب والرويشد، ورباب، وأيوب طارش والمداح وعبدالقادر، يجرون في شرايين المستمع العربي، ويتجولون في الأحياء الشعبية، برغم نقاط التفتيش التي تنصبها فرقة ميامي، في كل ذرة أثير، وبرغم كوابيس «أحلام وجواد العلي».. - يعجز «الكباريه السياسي» أن يشتري هذه المساحة النابضة والمزهرة في محيط الموات والقحط الفني.. لايملك العملة التي يشد بها «أميمة خليل» من ضفائرها لتعمل «فتاحة» لديه، لكنه يستطيع أن يحشد 300 راقصة تعري في فيديو كليب واحد ل«نيكول سابا» ويبسط نفوذه على مساحة شاسعة من الأثير، ليقصف مسامات المتعبين بالمايوهات والحلمات الناتئة، وشهقات التحرش البخس !! - مطلع القرن الفائت حظر الاحتلال الانجليزي على الشعب المصري ترديد اسم الزعيم «سعد زغلول»، وتصدى الفن لكسر هذا الحظر ونجح.. ولم يكن بوسع جبروت الاحتلال إسكات الحناجر التي راحت تغني في اليوم التالي - فقط تغني - «يابلح زغلولي، حبك وصفوا لي.. » - هذه المساحة هي الحمى النفسي والعاطفي للغالبية المتعبة، وحديقة حرياتهم، حيث يحبون ويغضبون ويحلمون ويرفضون، خارج طائلة الاقطاع السياسي ووحشية السوق.. يريد الكبارية الرسمي أن يبتلع هذه المساحة.. يريد أن ينتج نسخاً مشوهةً من العشاق والبشر ينتمون إلى وطن اسمه «الشات» يضاربون فيه على المشاعر كمايضاربون على العقارات والأسهم في «البورصة» ويعيشون حفلة تنكرية طويلة، لاوجود لهم خارجها كذوات وملامح ونبض ! - ليس صحيحاً أن هذا الرتل الطويل جداً من القنوات وشركات الانتاج، هو استثمار عفوي خاص، لايهدف لأبعد من الربح المادي. هل قلتم إنني شخص موسوس، لايزال يؤمن بنظرية المؤامرة؟! .. نعم .. أنا كذلك.. وأشعر بنشوة، لأن سوريا منعت هيفاء ونانسي وروبي من إقامة حفلات بعد اليوم على ترابها.. !! تذييل اسكتي ياشهر زاد اسكتي ياشهر زاد أنت في وادٍ وأحزاني بواد أنت ماضيعت ياسيدتي شيئاً كثيراً ، وأنا ضيعت تاريخاً. وشعباً وبلاد قباني