دخل العيادة وهو يحاول جاهداً أن يكون طبيعياً لكي لا يلفت الانتباه أو يثير الريبة ، لكنه لم يستطع أن يخفي رعشة يديه، حاول التركيز رغم ما يعانيه من صداع فظيع وآلام هائلة في جميع جسمه ، تماسك أمام موظف الاستقبال وهو يسأله : هل سيتأخر الطبيب إني صديقه وأريد مقابلته لأمر هام . مر الموظف ببصره على الملابس الرثة التي يرتديها وكأنه يشك فيما قاله ثم رد عليه وقال: مازال هناك ثلاث حالات . إذن سأنتظره . جلس على أحد الكراسي ونظر إلى الساعة المصلوبة على الحائط والتي كانت تشير إلى التاسعة والنصف مساءً وبعد ذلك أخذ يمسح ببصره كل محتويات الغرفة ، كانت غرفة الانتظار فخمة تحوي مقاعد خشبية أنيقة وتلفزيوناً ملوناً 26بوصة وحوضاً كبيراً للأسماك ومكتبة تضم مجموعة من الكتب ، وعلى الحائط علقت العديد من الشهادات العلمية التي حصل عليها الطبيب في براويزها الأنيقة . نظر إلى كل ذلك وابتسم بسخرية وقال : من كان يصدق أن هذا الوغد القذر الذي لم تكن أنفه تخلو من المخاط هو نفسه هذا الطبيب الذي حقق كل هذا النجاح والشهرة .ثم ادخل يده في جيبه وأخرج صورة قديمة لثلاثة شباب كان هو أحدهم يقف بين صديقين من أصدقائه القدامى ويقف إلى جانبه الأيمن صديق لهما توفي منذ مدة والآخرهو هذا الطبيب حدث نفسه ترى هل يذكرني ..لا أهمية لذلك لم آتي لألتمس عطفه وكرمه لقد كان معروفاً منذ صغره بالجشع والاحتيال ..لكنه أفلح ! وأنا من كنت ربيب المبادئ والقيم هويت إلى القاع ، أنا من كنت أحظى باحترام جميع المعلمين أصبحت مدمناً للمخدرات ، أضعت كل تلك المبادئ، أضعت كل شيء حتى أولادي . رأسي يكاد ينفجر لابد لي من الحصول على الأفيون لينتهي كل هذا ، يجب أن انجح فيما خططت له حتى لو اضطررت لقتله ، ترى كم المبلغ الذي يوجد لديه ، انه على كل حال حصيلة يوم لطبيب مشهور وسيكفي للعديد من الجرع . ياإلهي إلى ماذا وصلت ؟ وماذا في ذلك أنا محتاج هناك من يسرقون وهم يعانون من التخمة ولكنه صديقي وربما اضطررت لقتله . لم يعد صديقي ولو رآني فإنه حتماً سينكر أي علاقة تربطه بي على أية حال هو صديقي أكلنا ولعبنا ودرسنا معاً.. إنه حقير وتافه ويستحق القتل لم يتغير، كل ما سمعته عنه يؤكد بأنه لم يتغير حتى بعدما أصبح طبيباً مازال يبتز الناس بطرق مقززة ، سأنقذ الناس من طبيب لا يحترم مهنته . لكني لا اقل عنه خسة . ما تعرضت له من ضغوط كان السبب فيما وصلت إليه، أما هو فرغم هذا النجاح ورغم كل الشهادات التي حصل عليها الا انه مازال كائناً طفيلياً يعيش على دماء مرضاه . سأسرقه حتى لو اضطررت لقتله ، لم يسلم مني حتى والدي الذي سرقت المال الذي أدخره لتأدية فريضة الحج! لكني لم أقتل، لم أزهق روحاً حتى الآن ولو قتلته فستكتمل دائرة الجرائم التي ارتكبتها ولا أمل بعد ذلك في رحمة أو مغفرة من الله ..الله.. ليتني اعرف طريق العودة إليه ، ليتني أولد من جديد في عالم اطهر و أنقى . عقد ذراعيه أمام صدره ليخفي رعشة يديه وحاول أن يستريح من التفكير ويركز ذهنه في ما جاء من أجله كان في دوامة أخرجه منها صوت موظف الاستقبال " يا سيد الطبيب في انتظارك"