وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    وزارة الخدمة المدنية تعلن الأربعاء إجازة رسمية بمناسبة عيد العمال العالمي    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    منازلة إنجليزية في مواجهة بايرن ميونخ وريال مدريد بنصف نهائي أبطال أوروبا    الهجري يترأس اجتماعاً للمجلس الأعلى للتحالف الوطني بعدن لمناقشة عدد من القضايا    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    وفاة ''محمد رمضان'' بعد إصابته بجلطة مرتين    الفريق علي محسن الأحمر ينعي أحمد مساعد حسين .. ويعزي الرئيس السابق ''هادي''    «الرياضة» تستعرض تجربتها في «الاستضافات العالمية» و«الكرة النسائية»    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    بين حسام حسن وكلوب.. هل اشترى صلاح من باعه؟    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقود
المرضى الذين علموني
نشر في الجمهورية يوم 24 - 06 - 2010

هناك قصة واحدة تتكرر بنفس الطريقة وبشكل دائم أحياناً مرة أو مرتين في الشهر، وأحياناً مرة أو مرتين في اليوم نفسه، يتغير أبطال القصة كل مرة، وتتغير طريقتي في التعامل معها كل مرة، ولكن القصة بتفصيلاتها المختلفة وبتفاعلات أبطالها التلقائية تظل تتكرر على الدوام..تدخل مريضة مع مرافق أو أكثر، ويبدو عليهم الامتعاض، وقبل أن تبدأ في السؤال يواجهك أحدهم، “هذه المرة جئنا للمراجعة حسبما قلت.. ولكنهم صمموا على أن ندفع أجور الكشف من جديد.. قلنا لهم هذه مراجعة.. وتصايحنا معاهم.. لكنهم رفضوا.. واضطرينا ندفع لهم!!”.
أقول بهدوء في محاولة للإقناع: “المراجعة تكون عادة خلال يومين أو ثلاثة.. أو حتى أسبوع على الأكثر.. أما بعد مرور شهرين فهذه زيارة متابعة وكأنها كشف جديد وليست مراجعة”.
ولكنك أنت يا دكتور اللي قلت لنا نراجعك بعد شهرين!
معليش.. حدث سوء فهم بسيط.. أنا حددت لكم وقت المراجعة بعد شهرين ولكن ليس لذلك علاقة بأجر المعاينة والكشف.
يشتد امتعاضهم ويهزون رؤوسهم بعدم اقتناع، يحسم أحدهم الأمر ويقول للمريضة: “خلاص يالله خلصينا.. وقولي له أيش في بك”.
في يوم آخر يدخل علي رجل في الستين من عمره ذو لحية بيضاء أنيقة، ويبدأ الحديث قبل أن يجلس: “شوف يادكتور.. أنت طيب.. وعملك طيب.. لكن الجماعة اللي عندك خارج مش تمام.. تصور أنهم صمموا علي أن أدفع أجرة المراجعة من جديد وأظهرت لهم الوصفة الطبية حقك.. قالوا خلاص قد مر عليها أكثر من شهر ولازم أدفع..! أنت لازم عليك تشوف ناس طيبين.. يتعاملوا مع الناس بشكل طيب!”.
ابتسم في داخلي من نصيحته، ومن ظنه بأن موظفي مكتب التسجيل لدي يأخذون أجور المعاينة ويضعونها في جيوبهم، وكأنني لاعلاقة لي بالأمر، وأدرك أنه رجل طيب وأتجاهل التعليق على قوله، وأدخل في صلب موضوعه، وتمر الأمور على مايرام.
يقول لي مرافق لأمه المريضة مرة: “تشوف يادكتور.. أنا تصايحت مع الجماعة خارج لأنهم صمموا علي الدفع من جديد مع أن هذه مراجعة ... ونظام الأطباء في كل بلاد الدنيا.. وحتى جميع الأطباء هنا في اليمن أن المراجعة عندهم مجاناً.. ولكنهم قالوا أنك أنت الذي وضعت هذا النظام.. وأنا أعتقد أن هذا خطأ..!”.
كان مزاجي رائقاً صباح ذلك اليوم، ولم يكن المرافق غاضباً أو ثائراً، ولكنه يطرح الموضوع للمناقشة، وأحسست بالرغبة في مجاراته، فقلت له:
“ في اعتقادك.. كم تكون المدة اللازمة للمراجعة المجانية؟ يومين مثلاً.. أو أسبوع أو شهر، أو ثلاثة أشهر؟”.
فأجاب مرتبكاً وكأن الأمر لم يخطر على باله: “ها.. لا.. لا.. تخلي الأمر مفتوح بغض النظر عن المدة”.
فقلت له: “طيب.. بس لازم تعرف أنني طبيب باطني.. والغالبية من المرضى عندي مراجعين.. اللي عنده سكري.. واللي عنده ضغط.. واللي عنده القلب أو الكبد أو المعدة.. وكلهم يحتاجون إلى مراجعة مستمرة ودورية بانتظام، أما المرضى الجدد فقليلون، ولايتجاوزون الثلاثة أو الأربعة كل يوم، فما رأيك؟
أشتد ارتباكه وهو يحاول الكلام بطريقة عامة، وبدون أن يستطيع أن يبلور في ذهنه اقتراحاً محدداً، فقاطعته قائلاً: “أنتم اليوم وصلتم في سيارة ودفعتم أجرتها، أليس كذلك؟”، فهز رأسه موافقاً، وهو يحاول أن يفهم مغزى السؤال، وتابعت قائلاً: “وإذا استدعت الحالة اليوم إجراء تحليلات طبية أو أشعة، وعندما أصف لكم الدواء فإنكم سوف تدفعون ثمن كل ذلك من جديد، أليس كذلك؟”، فهز رأسه مرة أخرى موافقاً، وقد بدأ يفهم مغزى هذه الأسئلة، فوجهت إليه الاستنتاج بامتعاض واستنكار حتى لاأدع له فرصة أخرى للإجابة وقلت له: “ها.. الآن اتضح لي أنك تقبلون أن تدفعوا أي شيء.. ما عدا أجر الطبيب الذي هو أساس ومحور كل شيء في الموضوع.. على العموم دعنا من الأمر.. ولنقم بواجبنا في معالجة والدتك”.
واتجهت نحوها سائلاً مستفسراً عن أحوالها الصحية وأعراضها، واندمجت في القصة والمعاينة ولم أنظر إلى ابنها مباشرة حتى لايتشجع على فتح الموضوع من جديد.
كثيراً مايكون المريض أو المريضة الذي دفع أجور المعاينة وهو غير مقتنع لأنها مجرد مراجعة فقيراً ويبدو على سيماه ومظهره الرثاثة وسوء الحال، ومثل هؤلاء يغلبهم الأدب والحياء، فلا يذكرون الأمر للطبيب إلا بأدب جم مرفقين شكواهم عادة بالإيمان على أنهم قد دفعوا أجرة المعاينة الآن، ولكنهم لايعرفون كيف سيتصرفون في ثمن الدواء.. وعندئذ أسحب ورقة الكشف وأسطر عليها كلمة بإعادة المبلغ، فيتقبلونها راضين شاكرين وتمتلئ نفسي كذلك بالرضا والقناعة..لكن الأمور لاتسير على هذا النحو دائماً، لأن بعض المرضى وخاصة من يبدو على مظهرهم القدرة على الدفع، ولكنهم يعتقدون أن دفع أجور المعاينة مرة أخرى هو جشع غير مبرر، وأنه نوع من الاستغلال أو الاستغفال الذي لايمكن أن يسمحوا بحدوثه لهم من أي شخص، حتى ولو كان الطبيب الذي يقدرونه ويحترمونه.

وقد يحدث أن يدخل مريض من هذا النوع وهو في حالة شديدة من الغضب والانفعال، ويكون ذلك اليوم مزدحماً بالمرضى، وبحالات متعبة تحتاج إلى جهود وتركيز، وربما يكون الإجهاد والإرهاق والتعب قد نال مني مبلغه، فما أن يثور المريض في وجهي غاضباً، حتى أواجه ثورته وغضبه بما هو أشد منها، وأقمعه بكلمات قاسية مستغلاً السلطة الطبية المتفوقة التي أمتلكها والتي تمنحني القدرة على إساءة استخدام هذه السلطة في بعض الأحيان..وأدرك أحياناً أن المريض الغاضب كان أكثر رقياً وتهذيباً وأدباً مني، وأنني أخضعته بقوة السلطة الطبية، وهي سلطة يمكن أن تصبح قمعية، وأن يساء استخدامها، مثلما يساء استخدام جميع أنواع السلطات سواء على مستوى المنازل والزوجات والأبناء، أو على مستوى الإدارات، أو حتى على مستوى البلدان والأمم.
يظل الندم والأسف مخيماً على ذهني وتفكيري عدة أيام، ولكنني أعيد حساباتي وأراجع نفسي على الدوام، وأقوم بمعاملة جميع المرضى برفق ومودة فائقة، وأبذل جهداً في إظهارها، وكأنني طوال الوقت أعتذر لذلك المريض الذي قمعته بشدة وقسوة.

وخلال الفترة الأخيرة أصبحت أحاول تجاهل تعليقات المريض ومرافقيه وأتشاغل في مطالعة أوراق الزيارة السابقة أو الأوراق الأخرى التي أحضروها معهم، ثم أبدأ في إجراءات الكشف والمعاينة بدون تعليق وبدون ضغينة.
أما إذا كان الأمر مطروحاً بصراحة وإلحاح وبوضوح أو بغضب وانفعال، فإنني أذكر نفسي أنني استطيع استخدام السلطة الطبية القاهرة فوراً وأخرج منها منتصراً، ولكن هذا “النصر” سوف يكلفني أياماً من التعب والقلق والندم، لاتعوضها كل أموال الدنيا، ولذلك فإنني أسحب ورقة الكشف وأسطر عليها كلمتين، وأقول للمريض أو مرافقه بهدوء: “تستطيع استعادة النقود بعد خروجك”.
الغالبية من المرضى يأخذ الورقة ثم يدرك أنه كان يجهز نفسه لمعركة وأخذ ورد، وأنني عندما أعدت إليهم الورقة، فقد سحبت البساط من تحت أقدامهم، ولم يعد لديهم مايقولون، وآخرون يدركون أنهم قد قاموا بأمر غير لائق، فيعيدون الورقة إلى مصممين على أنهم قد دفعوا أجرة الكشف مقتنعين، وأنهم لم يكونوا يشتكون من ذلك، بل كانوا يريدون مجرد تأكيد الأمر لي بأنهم قد دفعوا الأجور فجسب حتى لا أظن بهم الظنون.
أعدت مرة ورقة الكشف لزوج المريضة الشاكي من إجباره على الدفع من جديد فأخذها ببساطة ودون تعليق، وفي العادة فإنني أفترض في ذهني بأن من لايقدر على دفع أجرة المعاينة، فإن ظروفه المالية على الأغلب لاتسمح له بإجراء فحوصات أو كشوفات أخرى، ولذلك فإنني بعد أن أكملت معاينة زوجته كتبت لها الوصفة الطبية بأقل ما يمكن من الأدوية حتى لايتكلفوا الكثير من المال في ثمن العلاج، ولما مدت يدي بالورقة إلى زوج المريضة سألني: “أيش هذا؟”، قلت له: “هذي وصفة العلاج.. ولن تكلفك الكثير.. فقد عملت حسابي على ظروفكم”، فقال باستنكار وبصوت عال: “ماشي.. ماشي.. نحنا نشتي نشوف كيف حالتها.. وأنت تكتب لنا هكذا دواء من غير فحوصات ولاكشوفات ولا جهاز.. مايسبرش.. نشتي تشوف لها كل حاجة من جديد.. ومايهمكش الفلوس..”.
عدت أذكر نفسي بأن الأمر لايتعلق لدى المرضى بالمال، ولكنه يتعلق في أذهانهم بعدم الاقتناع بدفع أجور الطبيب ويعتقدون أنها باهظة، وأن الأطباء لايستحقونها مقابل ذلك الجهد الذي يرونه أمامهم.

عاينت مرة مريضة كانت تعاني من نزلة بردية مع التهاب القصبات الهوائية والحمى والسعال، وكانت قد تعاينت لدى طبيبين آخرين خلال اليومين السابقين، ووصف كل منهما لها نفس الأدوية تقريباً، وإن اختلفت الماركات والشركات المنتجة.
ولم أجد مايمكنني عمله سوى أن أقوم باختيار الادوية التي عليها استعمالها من بين ماتحمله معها، وأن ترتاح عدة أيام، وأن الشفاء سيكون كاملاً ولكنه يحتاج إلى بعض الوقت، وإذا حدث أي شيء خلال ذلك فيمكنهم العودة إلي في أي وقت، شكرتني المريضة وزوجها، وأبدوا ارتياحهم ورضاهم بما فعلت، ولكنني فوجئت بالزوج يقول لي: “وأين الورقة حق المعاينة يادكتور؟”، قلت له: “لماذا؟” فأجاب ببساطة شديدة: “لازم ترجع لنا حق المعاينة يادكتور!.. لأنك ماعملت لهاش حاجة.. ولا حتى كتبت لها رشدة!”، أحرجني الأمر بشدة، فأسرعت بإخراج الورقة من درج مكتبي، وأعدتها إليه فأخذها وانصرف شاكراً،ولكنني ظللت أشعر بالغبن والغباء لفترة طويلة بعد عدة أسابيع، حدثت أحد الزملاء الأعزاء عما حدث، وأخذنا نتندر ونتفكه ونسخر من الأمر، وأخيراً قال لي ونحن نغرق في الضحك معاً: “يبدو أنك غلطان.. وستين غلطان..! وأنه كان من اللازم عليك عندما طلب منك ورقة المعاينة، أن تأمره بإلغاء جميع الأدوية السابقة التي معه.. وأن “تشقفه” رشدة مثل الأدوية التي معه.. بس من الأصناف الغالية “الأصلية” التي “تفصع” ظهره، ولاتقوم له بعدها قائمة.. ولا عد يقدر حتى يروح يداويها عند دكتور ثاني”.

أما أجور الزيارات المنزلية التي يقوم بها بعض الأطباء في أحوال قليلة بسبب إحراج يتعرض له من صديق، أو بسبب مايعتبره تلبية لنداء الواجب لايجد سبيلاً إلى التهرب منه، فإن المرضى حتى الأغنياء منهم يجهلون تماماً كيف يتعاملون مع الطبيب، وحين يدفع بعضهم فإن المبلغ الذي يدفعونه للطبيب مهين لكرامته، ولا يماثل حتى ما تستحقه سيارة أجرة في المشوار الذي قادوا الطبيب إليه.
طلبني مرة مريض ميسور الحال في العاشرة مساءً، وكان أبناؤه قد وصلوا بأنفسهم إلى باب منزلي، ولم أستطع أن أردهم خائبين، ارتديت ملابسي وتابعتهم بسيارتي ووصلت إلى منزلهم وقضيت مايزيد على ربع ساعة في معاينته وحوالي 45 دقيقة في المشوار ذهاباً وإياباً، وقام الرجل نفسه بدس أجر المعاينة في يدي، وأخفيته في جيبي، وظللت بعد أن خرجت أكثر من ربع ساعة قبل أن أدس يدي في جيبي للتحقق من المبلغ، وكان هو نفس المبلغ الذي يدفع عندئذ للكشف في العيادة، والذي أتحصل عليه خلال خمس دقائق وأنا مرتاح في مكتبي وعيادتي!!
وليس الأمر هنا مسألة مال ولكنها إحساس بالمهانة الشديدة، فهذا الرجل الميسور الحال يخرجني من بيتي قبل منتصف الليل، وأقضي ساعة في الذهاب والإياب والمعاينة، وأحضر إليه بسيارتي الخاصة، ولا أكلفهم عناء نقلي لا في الذهاب ولا في الإياب، ويكون محصلة كل ذلك هذه المهانة أو الامتهان.
وحدث بعد أن قررت عدم الاستجابة لأي طلب زيارة منزلية مهما كانت الأمور أن اتصل بي تاجر غني معروف أثناء عملي في العيادة في الخامسة مساءً، وقال أنه يريد مني المرور عليه في منزله الذي أعرف مكانه لأنه تعبان، وأعتذرت له وقلت له أن الوقت لا يزال مبكراً، وأن عليه الحضور إلي في العيادة، وألح علي وصممت على موقفي، ولم يجد مفراً من الاقتناع والتسليم، وبعد نصف ساعة كان عندي واستقبلته وفحصته وأمرت له بفحوصات مخبرية وموجات صوتية وتخطيط قلب كهربائي كلفته مايقارب عشرة آلاف ريال.
وقبل أن يغادر مكتبي حاملاً وصفته الطبية بيده، قال لي: “أنا أعرف أنك مش آلة بياس.. لكن لو كنت جيت إلي في منزلي لدفعت لك هكذا”، وأشار نحوي رافعاً إصبعي يده السبابة والوسطى وهو يحركهما في ترغيب وإغراء، ويعني بذلك ألفي ريال، وكان هذا المبلغ الذي تشير به أصابعه هو ضعف أجرة المعاينة التي دفعها لي لتوه، وتكلف إلى جانبها مبلغاً آخر في التحاليل والكشوف يقترب من خمسة أضعاف المبلغ الذي يغريني به.
أخذت أضحك بيني وبين نفسي وأنا أستغرب بشدة من سذاجته، وقلت لنفسي أخيراً: “حتى التجار الشطار لايدركون أبسط قواعد الحساب.. ونحن نطالبهم بما هو فوق ذلك بكثير.. نطالبهم بما يحفظ للطبيب قدره، وبما يرفع من تقدير جهده عالياً، وبما لايحط من شأنه ولا كرامته، ولا كرامة المهنة الطبية وقدرها ومكانتها في المجتمع”.

كنا مرة في مقيل في مقر نقابة الأطباء، وفتحنا الحديث في هذا الموضوع، ومن النادر أن نتحدث في هذه الأمور فيما بيننا، لأن كل واحد منا يخجل مصارحة الزملاء بما حدث له، وخاصة عندما يكون مادفع له مبلغاً تافهاً، يجعله يشعر بالمهانة والاحتقار.
لكن بعضنا تجرأ في ذلك اليوم على رواية واحدة أو أكثر مما حدث له في مثل هذه الزيارات المنزلية، ذكر أحد الزملاء أن أحد كبار التجار أصيب بالفالج الذي تسببه جلطة أو نزف دماغي، واستدعوه إلى منزله بعد منتصف الليل، وقام نحوه بما يجب، وبدأ أبناؤه الاستعداد بإجراءات سفره إلى الخارج، وكانت الرحلة الوحيدة بعد ثلاثة أيام سوف تغادر من عدن إلى الأردن، وقام بزيارته خلال الأيام الثلاثة التي قضاها قبل سفره صباحاً ومساءً، بالإضافة إلى إجاباته على مكالماتهم التلفونية في أي وقت من الليل أو النهار.
وفي اليوم الثالث طلبوا منه مرافقتهم إلى عدن، وكان السفر من تعز إلى عدن سوف يبدأ في الساعة الرابعة بعد الظهر، وهو الوقت الذي يبدأ فيه عمله المعتاد في العيادة، واضطر للموافقة محرجاً متخلياً عن مرضاه وعن مبلغ كبير من المال كان سوف يتحصل له لو لم يوافق على مرافقة المريض إلى عدن..لم يدفع له أحد شيئاً خلال تلك الأيام الثلاثة، ولم يدفع له أحد مقابل مرافقتهم إلى عدن، وظل بينه وبين نفسه يقدم لهم الأعذار ويقول أنهم لابد قد نسوا الأمر، ولابد أنهم سوف ينتبهون بعد عودتهم من الأردن، وسيدفعون أجره أضعافاً مضاعفة، عندما عادوا من الأردن اتصل أحد الأبناء بعد نصف شهر من عودتهم، وهو يرجوه أن يمر على والده للتحقق من الأدوية التي يأخذها ويعيد تنظيمها، وقد فعل ذلك، واليوم قد مرت أربعة أشهر على آخر زيارة وآخر اتصال منهم ولم يتكرم أحد منهم بذكر شيء، وقال أخيراً: “لو كانوا حتى أرسلوا لي قارورة عطر على سبيل الهدية بعد عودتهم من الأردن، لاعتبرت أنني قد حصلت على التقدير بما هو أغلى من المال.. ولكن.. ولاشيء”..وأخذ كل واحد من الزملاء في المقيل يذكر قصة حدثت له وتثور بينها التعليقات الساخرة والضحكات الصاخبة، ومنها أن أحد الأطباء بعد أن أحرجه أحد مشايخ منطقة قريبة من تعز، بالتوجه إلى إحدى القرى لمعاينة مريض يريدون أن يفعلوا معه الخير على حد قولهم.
وبعد وصولهم إلى أسفل مرتفع جبلي، وهو أقصى مكان تصل إليه السيارة أكملوا بقية المسافة صعوداً على الأقدام في ثنيات المرتفع لأكثر من ربع ساعة، وقد وصل وهو في أشد حالات الإجهاد، عاين المريض وعادوا نفس الطريق نزولاً على الأقدام ثم بالسيارة إلى منزله، وكانت رحلة الذهاب والإياب قد استغرقتهم ثلاث ساعات كاملة وكان ذلك يوم إجازته الأسبوعية أي يوم الجمعة.
أخيراً بعد نزوله من السيارة وضع أحدهم يده في جيبه، وكأنه يتهيأ لإخراج مبلغ من المال، ولكن الشيخ سرعان ما لحظه، وأمسك بيده يضغط عليها وهو يقول له:
“عيب عليك يا رجل .. تريد أن تعطي فلوس للدكتور.. عيب عليك .. الدكتور صاحبنا!!”.
وثارت موجة صاخبة من الضحكات والتعليقات من هنا وهناك حتى قطعها أخيراً الصديق العزيز الدكتور شوقي السقاف رحمه الله وهو يقول:”بس ... خلاص .. خلاص .. اسمعوا جميعاً.. نحن اليوم نصدر قانون .. أن المعاينة للفقراء بفلوس.. وللأغنياء مجاناً !!”وثارت موجة جديدة من الضحك والصخب والتعليقات الساخرة.

ولقد كانت الأجور الطبية منذ بدء المهنة الطبية وحتى اليوم، وفي كافة المجتمعات القديمة والحديثة منها حاجزاً يرتفع كعائق أمام العلاقة المهنية بين الطبيب والمريض، ويسمم أجواء العلاقة بينهما.
وكان المرضى دائماً يجارون بالشكوى من الغرامات الكبيرة التي يدفعونها للطبيب ويتحملونها بمشقة واثقين أن الطبيب لا يستحقها حتى أصبح الأطباء محلاً للاتهام بالجشع والطمع وحب المال، وموضوعاً للحقد والجحود والإنكار وخاصة من المرضى والأهل الذين لا يوافق العلاج توقعاتهم ورغباتهم وأمنياتهم.
وإذا كان أمر الأجور الطبية يزعج الكثير من الناس، فإن الموضوع نفسه هو أمر شديد الإزعاج للأطباء جميعاً، ويثير في أنفسهم الكثير من مشاعر الخجل والحياء، وخصوصاً عندما نجد شخصاً في حالة من الألم الشديد أو الكرب الخالص يجاهد لاستخراج النقود من جيوبه ويعدها لكي يدفع الأجر للطبيب.
ويصل الأمر ببعض الأطباء أن يشعر بنوع من تأنيب النفس أو الشعور بالذنب، وكأنه يتناول من المريض المسكين ثمن آلامه التي يعاني منها دون ذنب جناه، أو أنه يضيف إلى آلام المريض ومكابدته عبئاً مالياً يشكل ثقلاً جديداً على كاهله.
ويدرك كثير من المرضى ما يحس به الطبيب من الحرج من تناول الأجور، فيقومون ببعض أعمال التمويه والإخفاء لذلك العمل “ المشين”،فقد يضع المريض النقود على ركن الطاولة بدون أن يشعر الطبيب الذي يتظاهر بعدم الانتباه لأي شيء من ذلك، ويصرف اهتمامه إلى الأوراق التي أمامه، أو في التحدث إلى المريض موجهاً المال، وربما يصافح المريض طبيبه مسلماً أو مودعاً، ويد كل منهما تضغط على يد الآخر، حتى يتمكن الاثنان من إخفاء عملية تسليم الأجر بخفة ومهارة تجعل من الصعب على أي مراقب بجوارهما اكتشاف شيء مما جرى أمامه أو حتى الشك في حدوثه، وقد يدس المريض أو أحد أقاربه المال في جيب الطبيب بطريقة خفية وسريعة، ويجتهد الطبيب في إخفاء ملامحه التي قد تدل على أنه قد أحس بشيء يدخل في جيبه.
ومن حسن الحظ أن مثل هذه الممارسات في العصر الحديث أصبحت تنحصر في حدود ضيقة أهمها الزيارات المنزلية التي لا تتم إلا في الأحوال النادرة.
أما في الأعمال العيادية، فقد أقام الأطباء حواجز عالية من السكرتارية والمساعدين الذين يتحصلون على أجور الطبيب من المرضى، حتى يتمكنوا من اجتناب مواقف الحرج المباشرة بين المريض والطبيب.
وفي الدول المتقدمة التي تعتمد على الشركات التأمينية وجهات العمل في دفع أجور الأطباء الذي يتم عبر إجراءات مختلفة وفواتير آجلة، وجميعها تهدف إلى إخراج موضوع الأجور الطبية من العلاقة المهنية بين الطبيب والمريض بشكل مباشر، حتى يتحقق إلى حد ما الفصل بين المصافحة والودية ولمعان النقود وبريقها.
وإذا كان المرضى يشكون من الأجور الطبية ويعتقدون أن الأطباء لا يستحقونها بالفعل،وإذا كان الأطباء كذلك يشكون من الأمر نفسه، ويجدون فيه من الحرج الشديد ما يدفع بعضهم إلى الشعور بالذنب من تقاضي الأجور من المرضى، فهل يعني ذلك أن المجتمعات والمرضى يريدون نيل الرعاية الطبية مجاناً، وبدون دفع أي أجور للأطباء؟
وهل يعني ذلك أن الطبيب الذي يتقاضى الأجور من المرضى مكروه منبوذ من قبل المجتمع، أو أن الطبيب الذي لا يتقاضى الأجور محبوب ومحترم من الناس وينال منهم الرضا والتقدير؟
كلا .. كلا .. لا شيء من ذلك على الإطلاق.
إن الإجابة على هذه الأسئلة بالنفي هو ما يجعل هذه الأمور تتميز بالتناقض الشديد في مواقف وتوجهات المجتمعات نحو الأجور الطبية والأطباء والمهنة الطبية.
إذ نجد أن الطبيب الفقير الذي لا يتقاضى إلا النزر القليل من المال لاينال ثقة المرضى ولا احترامهم، وكثيراً ما ينصرفون عنه، ويزورون عنه ازوراراً كريهاً، لأنه قد وقر في أذهان الناس عبر الأجيال وفي مختلف المجتمعات، أن مثل هذا الطبيب الذي لا يتزاحم المرضى في انتظاره، لا يتمتع بالكفاءة المهنية ولا الخبرة الطبية الجيدة ولا يستحق منهم الكثير من الاحترام.
وأكبر دليل على مدى احتقار الناس للطب المجاني والعلاج المجاني هو تجربة البلدان الاشتراكية في العقود الماضية من القرن السابق التي أقامت أنظمة تكفل المساواة لجميع المواطنين في الحصول على جميع الفرص في العلاج على نفقة الدولة مجاناً وفي جميع مستويات الرعاية الطبية، ومن بين هذه الدول كان الجزء الجنوبي من وطننا الذي قام فيه هذا النوع من الطب الاشتراكي المجاني للجميع.
وفي جميع هذه البلدان كانت المجتمعات متبرمة بكل شيء، ابتداءً من الطبيب وانتهاء بالعلاج، وفقدوا ثقتهم كلية بالطب والعلاج والمهنة الطبية، ولقد شاهدنا بأنفسنا بعد تحقيق الوحدة اليمنية اندفاع المرضى من جميع المحافظات الجنوبية إلى شمالها، هرباً من التطبيب والعلاج المجاني الذي لا قيمة له، وكان كثير من المرضى يشكون الشكوى المرة من المعاملات التي يتلقونها في العيادات والمستشفيات المجانية، وقد قال لي كثير منهم أنه قد رمى بالعلاج على قارعة الطريق بمجرد خروجه من المستشفى.
ونجد في كافة المجتمعات أن الناس يبالغون في تضخيم أجور الأطباء وتصوير جشعهم وثرائهم، ولكنهم في نفس الوقت يبدون إعجابهم بالأطباء الذين يمتلكون منازل جميلة وسيارات أنيقة ويصرفون المال ببذخ وثراء، بل ويتوقعون أن ذلك أمر ضروري لكل طبيب .
ويستغرب الكثيرون عندما يرون طبيباً ماشياً على قدميه أو يمتلك سيارة قديمة، وقد يرى بعضهم أن السيارة الأنيقة أكثر أهمية للطبيب من المعرفة أو الخبرة الطبية.
ولا يستطيع الناس أن يتعاملوا مع الطبيب مثلما يتعاملون مع أي مهنة أخرى، وأن يعتبروا أنهم ينالون الرعاية الطبية من الطبيب مقابل أجر مثل بقية الخدمات الأخرى التي يطلبونها ويدفعون مقابلها أجراً مثل الخياط أو النجار أو السباك أو الميكانيكي أو المهندس المعماري وغيرها من المهن الأخرى، لايقدر غالبية الناس على تقدير أجر الطبيب بالشكل الملائم لأسباب عديدة أهمها أن الناس يخلطون في أذهانهم بين ما يقدمه لهم الطبيب من الوقت والجهد والخبرة والعناية والنصيحة، وبين النتيجة النهائية التي يريدونها لذلك وهي عملية التحسن أو الشفاء.. وربما يصبح واضحاً في ذهن المريض أن الأجر الذي دفعه إلى الطبيب قد ضاع سدى إذا لم يحصل على الشفاء الذي كان يبتغيه، أو إذا كان التحسن الذي يحدث له بطيئاً ولا يلبي رغباته أو لا يتناسب مع توقعاته، ولكن الامتعاض والضيق والغضب من أجر الطبيب يصل إلى ذروته إذا سارت الأمور على عكس ما يريد المريض، فتدهورت حالته، أو أصيب بالمضاعفات من المرض أو من الدواء، وقد تساوره عندئذ الظنون بأنه وقع ضحية لعملية نصب أو ابتزاز أو سرقة مباشرة .. وكذلك فإن الناس بصفة عامة لا يستطيعون تقدير قيمة الخبرة الطبية أو المعرفة التي يمتلكها الطبيب، ولا الجهد الذي يبذله لتطوير علمه ومعارفه وخبراته وصقل تجاربه، ولايعتبرون أن هذه هي الأسس التي يجب أن يبنى عليها تقديم جهد الطبيب وتقدير أجره، ولذلك نجدهم يقدرون أجرة الطبيب بناء على المظاهر السطحية التي يشاهدونها، وهي أن الطبيب قد أخذ يسأل المريض بعض الأسئلة، ثم قام بجس نبضه وفحص بطنه والاتصالات إلى قلبه وصدره، ثم جلس على مكتبه يسطر له الوصفة الطبية، ولم يستغرق ذلك سوى بضع دقائق،هذا الجهد الظاهر الذي يقوم به الطبيب أمام كل مريض هو الذي يخضع لعملية التقييم في أذهان الناس عندما يقدر أحدهم أجر الطبيب، ولذلك فإنهم كثيراً ما يجدونه غير مبرر في بعض الأحوال أو فادحاً في غالبيتها.. وربما أن الصورة التي ترتسم في أذهان الناس للطبيب القديس أو لملائكة الرحمة تضطرب وتتداخل وتلتبس مع صورة التاجر الجشع أو الشيطان المريد عندما تنتهي اللمسات الحانية والنظرات العطوفة وتبدأ عملية تسليم واستلام الأجر للطبيب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.