ذات ليلة باهمة الظلمة،حاولت أن أنام ،حاولت أن أسيطر على براكين الندم التي تتآكل بداخل قلبي وتلتهم كل أجزائي وتنغص من استرسالي في النوم،غير عابئة بشلال الدم المتناثر هنا وهناك على جسدي المترامي على الطرقات. كنت أتسأل عن سر هذا الحقد الدفين في قلب تلك الزهرة المتوحشة،محترفة القتل منذ عهد بعيد،تلك الزهرة الخسيئة التي عطفت وحنوت عليها وأخرجتها كما كانت تقول لي دائماً من ظلمات قبر موحش. البداية قعدت أتذكر أول يوم عرفتها فيه كانت مجرد بذرة سوداء ناحلة القد،هزيلة..تشكو نيران الهجر من ذويها وحربهم الشعواء..سألتها من أنت..أجابت..مظلومة البشر..قتيلة العائلة..؟ لست أدري لما روادت قلبي ظلال حزن عليها،مما ألم بها،أحببت أن أسري عنها بعض أوجاعها، دون أن أشعر بأنها تجرفني إليها بأسلوب خبيث وترميني بطلاسم حب قاتل قعدت تشكو لي ظلم البشر.. واحتقار بني جنسها لها..أخذ الحزن بتلابيب قلبي وقليلاً...قليلاً...لم أشعر بنفسي إلا وقد انجرفت إلى تيار حبها الموهوم.. فرضت وجودها وملأت كل حياتي،فأخذتها وزرعتها في منطقة النبض بداخل قلبي وكنت أتعهدها كل صباح وأرويها بزخات ماء باردة من جوف أعماقي،وكم كنت أفرح حينما ألمح تمايلها وهزاتها فرحة مزهوة كنت أرقبها كل يوم وهي تكبر وتنمو وتزهر وتتمايل شامخة، وجذورها تثبت في الأرض بقوة..وفجأة.. لمحت اصفراراً يطغى عليها..وأحسست بها تذبل..وإذا بذلك الشموخ يتبدل انكساراً..وأفراحي تتبدل أحزاناً..وضيائي ظلاماً أسوداً كئيبًا.. كنت أسائلها..لاتجيب ..أتقرب منها..تبتعد عني بعيداً..احترت معها وبدأت ظلال الحزن تسكب شلال الأسى على قلبي..زاد ذلك الاصفرار وطغى عليها وأحسست بها تحتضر..أخذت بيديها..وقبلتهما راجياً متسائلاً..ما بالك..ما الذي يحدث لك،فأجابت إن كنت تريدني ..فلتربطني برباط الحب المقدس لكي أعيش حرة لك..ولايكون لبشر عليّ سلطاناً سواك...فرحت بها وضممتها بين أحشائي ومنحتها كل حياتي..بداية كان صراعي مع من رفضوا حبي لها..كان صراعي مع أقرب أقربائي...رأيتهم وحوشاً ضارية تقف أمامي وتتحداني.. رأيتهم حاقدون كارهون لسعادتي..دقت طبول الحرب واستخدمت أشد الأسلحة فتكاً،ولم أرحم أحداً،قاتلت بكل ضراوة حتى انتصرت..ولكني لم أذوق للانتصار طعماً ولا للفرحة لذة..فقد أحسست بها تتبدل شيئاً فشيئاً، وإذا بتلك الوداعة تنقلب مخالباً حادة تنهش جدران قلبي الدافئ، وإذا بذلك الشعر الكثيف قد انقلب سهاماً مسمومة تخترق احشائي وإذا بتلك الأحضان المتلهفة المحترقة بشباب الأنوثة قد انقلبت ألواحاً ثلجية باردة لا روح فيها ولاحرارة تجسد كيانها ووجودها..وأنجبنا بذرة الحب الأولى التي كانت بداية النهاية،فقد تغيرت بها الأحوال واشتدت علينا الأهوال ورسم لها خيالها المريض آمال وآمال،وفاض بي الصبر وتحطمت سفينة الآمال في صحراء الأماني وألحقني بالفراق الذي ما بعده لقاء....؟ النهاية في هذه الأثناء كنت قد بدأت أغالب النعاس بعد أن بلل فراشي نهر جار من دموع الندم الحارة،وأقسمت أن لاأترك للرحمة بابًا تنفذ منه إلى قلبي الكسير،وذهبت في نوم عميق. 20/12/97م