أن تعمل في مقلب للقمامة دون الحصول على تأمين صحي وبدل مخاطر والأسوأ من ذلك بقاؤك منذ عشر سنوات كعامل بنظام الأجر اليومي الذي لا يكاد يسد رمقك فأنت تعيش ممتهناً في أبسط حقوق العمل وحقوقك الإنسانية.. في مقلب القمامة شمال أمانة العاصمة وحدها أسراب طائر الغراب المتنقلة هنا وهناك تنعم بصحة جيدة افتقدها معظم العاملين في المقلب الذين تنال منهم الأمراض الواحد تلو الآخر.. فوحدها الروائح النتنة المتصاعدة من تلال مقلب القمامة التي توشك أن تناطح السحاب هناك كفيلة عاجلاً أم آجلاً بتأمين القضاء على أية آثار للحياة لن يكون ضحيتها من تبقى ممن أجبرتهم مرارة العيش أن يعملوا فيه بل على كافة القاطنين في المنطقة المحيطة ممن تكفلت زوابع الأتربة بزيارتهم بين الحين والآخر بصحبة أطنان من البكتيريا والجراثيم والروائح النتنة. اصابات ما يدعو لهذا هو تدهور معاناة الكثير من العمال من الإصابات بالأمراض المختلفة بين الحين والآخر في الوقت الذي لا يحصلون فيه على بدل العلاج، لأنهم كما يقولون يعملون بالأجر اليومي، فالبعض ممن تحدث لوكالة الأنباء اليمنية «سبأ» بعد أن طلبوا عدم ذكر أسمائهم حتى لا يتعرضوا للفصل أو التوقيف عن العمل في أحسن الأحوال.. يؤكدن أن من يمرض يتحمل بنفسه تكاليف العلاج في ذات الوقت الذي عليه أن يواظب في عمله لأن من يغيب لن يحصل على فتات الأجر اليومي الذي يحصلون عليه نهاية كل شهر والبالغ 16 ألف ريال فقط بمعدل 530 ريال في اليوم الواحد. أما أوقات الدوام الرسمية كما يقولون تبدأ من الساعة الثامنة صباحاً حتى الواحدة ظهراً ومن الثالثة عصراً حتى السادسة مساءً، فيما يعمل البعض الآخر في الفترة المسائية من الثامنة مساءً حتى الثالثة فجراً ومن أولئك العمال واحد أخذ يشكو حالة إصابته بمرض الكبد التي لايزال يعاني منها رغم خسارته 100 ألف ريال كما يقول. مشيراً إلى أن الطبيب الذي يعالج عنده قد عزى سبب إصابته بالكبد إلى عدوى إصابته من انتقال الفيروس من مخلفات المستشفيات الكيماويه وغيرها التي يتم نقلها مع أكوام القمامة إلى المقلب. وقال: عندما طالبت ببدل علاج من الإدارة العامة لمشروع النظافة أعطوني خمسة آلاف ريال فقط بعد معاملة طويلة. فيما يرجع أحد العمال سبب إصابته بحساسية الصدر وضيق التنفس إلى غبار الرياح المحملة بالأتربة الملوثة بالبكتيريا والجراثيم.. مؤكداً من ناحية أخرى أن الكثير من العمال في مقلب القمامة البالغين قرابة 22 عاملاً منهم 17 عاملاً بالأجر اليومي أصبحوا مصابين بأمراض في الرئتين وحساسيات في العيون والكحة والربو بسبب الهواء الملوث وخاصة من يعمل في أعلى تلة المقلب بسبب تعرضهم للمواد الكيماوية ومخلفات البناء من بويات ودهانات والتعفن والروائح الكريهة والفيروسات التي تنقلها الحشرات. من الحالات التي يتذكرها أحد العمال منذ عمله في المقلب قبل عشر سنوات هي إصابة أحد العامل واسمه (علي فتيني) بمرض في المخ، ومع ذلك لم يحصل على بدل علاج من مشروع النظافة الذين قاموا بعد ذلك بفصله لعدم قدرته على مواصلة العمل. قائمة إصابات تضم قائمة ضحايا العمل في المقلب الكثير من الحالات كما يقول أحد العمال سواء من أصيبوا بأمراض مختلفة أو من وافتهم المنية ومنهم محمد محمود جبر الذي توفي جراء إصابته بأمراض في التنفس والدم وعبده سويلم الذي توفي قبل أربع سنوات تقريباً بسبب إصابته بمرض في الكبد وإن كان الأخير قد كوفئ بعد وفاته بقطع معاشه فيما لم تتمكن أسرته من الحصول على أية حقوق باسثناء الموافقة على توظيف ابنه بدلاً عنه بالأجر اليومي أيضاً. أما (الدرب) الذي كان أحد عسكر حراس بوابة المقلب فكما يقول أحد سائقي الشاحنات في المقلب فقد أصيب بالجنون قبل ثلاث سنوات تقريباً دون معرفة الأسباب. في مقلب القمامة الذي تصل مساحته إلى 4 ك.م. مربع كل شيء تغير، فبعد أن كان عبارة عن وادٍ أصبح تلاً كبيراً من القمامة.. كما أن المقلب لم يعد بعيداً كما كان في الماضي عن الأحياء السكنية التي أصحبت تحيط به من ثلاثه اتجاهات.. الكثير من الأمور تغيرت كما يقول عمال مقلب قمامة الأزرقين إلا أن أوضاعهم المادية كما يقولون هي الوحيدة التي لم يطرأ عليها أي تغيير رغم أن الكثير منهم يعمل بالأجر اليومي منذ عشر سنوات.. كما يتساءلون عن أسباب تأخر تثبيتهم بحسب التوجيهات الصادرة من رئيس الوزراء كما يقولون في شهر أكتوبر من العام الماضي.. فيما تبدو على وجوههم العابسة الكثير من التساؤلات عن مستقبلهم، وهل تتوفاهم المنية قبل أن تتحسن أوضاعم كما هو حال الكثير من زملائهم الذين ماتوا وهم لا يزالون يعملون بنظام الأجر اليومي. طاقة تدوير محدودة الحجم الهائل من القمامة الموجودة في مقلب الأزرقين يشهد زيادة مطردة يومياً، حيث تقدر كمية القمامة التي يستقبلها المقلب يومياً قرابة 1800 طن منها 1200 طن من القمامة و600 طن أتربه يتم نقلها يومياً بمعدل 440450 (حمولة) بواسطة قاطرات وقلابات مختلفة الأحجام. وهو ما يجعل من هذا المقلب الذي لا يمكن أن تتحلل قمامته في التربة أشبه بقنبلة موقوتة تلتهم النار فتيلها يوماً بعد يوم قبل انفجارها المدوي الذي أصبح وشيكاً في ظل غياب المعالجات الفعلية لهذه المشكلة. كما أن مؤسسة زينات التي تعمل منذ ثلاث سنوات على تدوير القمامة هناك لا تتجاوز قدرتها على تدوير 4 في المائة فقط من القمامة الواصلة يومياً إلى المقلب، مما يجعل عملها غير مجدٍ في مواجهة كميات القمامة الواردة بسبب عدم امتلاك الشركة للمعدات الحديثة التي تتيح التخلص من أكبر كمية من المخلفات. في حين لا تزال عملية فرز القمامة من قبل عمال الشركة في المقلب تتم بصورة يدوية قبل عملية نقلها إلى الهنجر الخاص بالشركة جوار المقلب الذي لا يوجد فيه سوى ثلاث مكائن فقط لكبس المخلفات ليتم تصديرها إلى المملكة العربية السعودية وخاصة الكراتين والأوراق ليتم إعادة تصنيعها هناك. الجدير بالذكر أن مقالب النفايات أصبحت في الكثير من دول العالم من أهم موارد توليد الكهرباء بواسطة النفايات ومن تلك الدول الصين التي أصبحت تنتج قرابة 400ميجاوات والأردن وعدد من الدول الأوربية.