صدر عن شعبة البحوث و الدراسات في دائرة التوجيه المعنوي مؤخراً الجزء الخاص من كتاب وثائق ندوة الثورة اليمنية "الانطلاقة، التطور، آفاق المستقبل وثائق من الإرشيف الأجنبي 1962 1967م". ويُعد هذا الإصدار إضافة نوعية إلى الإصدارات التي توثق لأحداث الثورة وتميط اللثام عن بعض خفاياها وأسرارها خلال إحدى أهم مراحلها "مرحلة الحرب ما بين الجمهورية الملكية 19621967م". وضم الكتاب بين دفتيه في (334) صفحة عدداً من الوثائق السرية للحكومات والأجهزة الاستخباراتية لبعض الدول التي كانت طرفاً في هذه الحرب إلى جانب عدد من التقارير والرسائل والمذكرات اليومية لعدد من المرتزقة الدوليين الذين لعبوا دوراً كبيراً في أحداث تلك المرحلة إلى جانب القوات الملكية. احتوى الكتاب على أربعة فصول تناول الأول منها يوميات وثائق خاصة ب"العقيد ماكلين ايلد"، ويستعرض الفصل الثاني مذكرات ووثائق خاصة ب"العقيد ديفيد سمايلي"، فيما يحتوي الفصل الثالث على تقارير "بوب دينار"، والفصل الرابع و الأخير ملحق الوثائق والصور. وتكشف الوثائق التي احتواها هذا الإصدار الخاص عن حقيقة أهداف الدول الأجنبية من حربها في اليمن ومحاولاتها الفاشلة في القضاء على الثورة والجمهورية وإعادة النظام الإمامي والعمل في الوقت ذاته على إنهاك مصر وإجهاض المشروع العربي التحرري، واستمرار السيطرة البريطانية على عدن وغيرها من الأهداف. ويقدم الكتاب عرضاً لحقيقة الفرز الاجتماعي السياسي الذي تم على الساحة الوطنية بين القوى الجمهورية والملكية ويوثق العديد من الشخصيات اليمينة وأدوارها في هذه المرحلة من التاريخ. كما يقدم صورة تفصيلية مختزلة للخطط العسكرية والسياسية والحربية والإمداد والتموين والتشكيلات العسكرية للقوى الملكية.. تنظيمها وتسليحها وخططها العملياتية، والتي تقدم الوجه الآخر للمعارك العسكرية والسياسية التي شهدها الوطن خلال تلك المرحلة وأسباب وعوامل انهزام القوى الملكية بعد انسحاب القوات المصرية كما تفسرها وثائقها وتقاريرها السياسية والعسكرية المنشورة في هذا الكتاب. ويقول مدير دائرة التوجيه المعنوي العميد الركن علي حسن الشاطر في مقدمة الكتاب: إن هذا الكتاب يعتبر فريداً من نوعه من حيث المضمون وأسلوب العرض خارج نطاق المألوف السائد في غيره من كتب التاريخ، باقتصاره على نشر جملة من الوثائق الأجنبية تؤرخ لنشاط بعض الدول المعادية للثورة اليمنية خلال الفترة 621967م. وأضاف: وهذا النوع من التعامل مع المصادر المختلفة التي تؤرخ للثورة يمثل دعوة للانفتاح على الآخر في سبيل البحث عن الحقيقة وتجاوز حالات الانغلاق والتعامل مع وقائع التاريخ من منظور أحادي الجانب، وبالتالي الارتقاء بمضمون المادة التاريخية إلى المستوى الذي من شأنه مخاطبة عقول الأجيال المعاصرة وليس عواطفها، سيما أنها لا تعرف عن الإمامة وويلاتها وعن الثورة والمخاطر الداخلية والخارجية التي جابهتها الشيء الكثير، خاصة وأن الحاضر بهمومه ومشاكله الكثيرة قد شغل حياتها وأنساها الكثير من أحداث التاريخ التي تعتبر ذاكرة للشعوب وقاعدتها للانطلاق نحو المستقبل. و أكد أن القيمة التاريخية لهذا الكتاب في طابعه الوثائقي ومضمونه في كونه قدم عرضاً لسير الأحداث العسكرية والسياسية التي كانت تعتمل في تلك الفترة والتي كشفت بدورها عن حجم التضحيات الجسيمة التي قدمها شعبنا للانتصار لحريته وثورته والدور المحوري لمصر عبدالناصر في هذه الحرب التي كانت تمثل في جوهرها حقيقة الصراع بين المشروع القومي التحرري العربي والمشروع الاستعماري الصهيوني وما أحدثه من فرز لقوى هذا الصراع على الساحتين العربية والدولية. ولفت مدير دائرة التوجيه المعنوية إلى أن الكتاب يقدم صورة جديدة عن كيفية تطور الحرب الجمهورية الملكية وتحولها في المرحلة الأخيرة إلى شكل من أعمال الارتزاق الذي لجأ إليه البعض من أجل الحصول على المال والسلاح وليس الدفاع عن قضية أو مبدأ أو هدف وطني تستوجب التضحية في سبيله، وكذلك عدم امتلاك الجانب الملكي الاستقلالية في اتخاذ القرار السياسي أو العسكري وتداخل أهدافه مع أهداف الدول التي كانت تدعمه مالياً وعسكرياً وتفرض عليها خياراتها ومصالحها السياسية. وأشار إلى أن مواد هذا الكتاب ظلت إلى وقت قريب ضمن نطاق السرية المطلقة المرتبطة بالأمن القومي للدول التي تمتلكها، وهي تكشف عن تفاصيل الكثير من العمليات السرية والعسكرية والسياسية الموجهة ضد الثورة اليمنية وأبعاد وخلفيات وأهداف الصراع الدولي الذي احتدم على الأرض اليمنية.. وأكد الشاطر أن هذا الإصدار يستهدف تثبيت الوقائع التاريخية على قاعدة راسخة من الوثائق والقرائن والبراهين باختلاف مصادرها وألوانها السياسية حتى يتاح للمؤرخين وضع هذه الوقائع في إطارها الصحيح كحقائق تاريخية لا خلاف عليها. وقال: إن أهمية الكتاب من أهمية المرحلة التي يؤرخ لها التي تتجاوز بفعلها إطارها التاريخي لتمتد نحو واقع الحاضر والمستقبل وإعادة بعث وقائع وأحداث ومعارك الثورة عند ولادتها، ويمثل تجذيراً لقيم هذه الثورة ومبادئها وأهدافها في الثقافة والوعي الشعبي المعاصر وتنويراً للأجيال وتعزيز حصانتها في وجه الدعاية و المحاولات الرخيصة لتزييف الوعي وتشويه فعل الثورة وإلغائها من ذاكرة الأجيال ومن صفحات التاريخ للعودة باليمن إلى ما قبل 26 سبتمبر 1962م.