من العبث أن تدهم أسماعنا بين الحين والآخر قضايا رعناء تمس هيبة الدولة وتصيب القوانين واللوائح النافذة في مقتل على شاكلة حوادث الاعتداء التي يتعرض لها رجال المرور، فيما تظل الإجراءات العقابية الصارمة ولو في حدودها الدنيا غير ملموسة وخارج نطاق التغطية، وتنحصر الحلول والمعالجات عادةً وفي أحسن الأحوال بسوق إحدى المواشي الهزيلة إلى أعتاب منزل المعتدى عليه «كهجر» والتي تقتضي أصول القبيلة في الغالب «العفو عن البقرة التي لم ترتكب أي جرم» لتعود في الغالب إلى اصطبل الجزار سالمة معافاة؛ بينما كرامة الرجل قد تفرقت بين القبائل!!. يحدث ذلك في الوقت الذي يتحاشى فيه مسئولو الجهات المعنية الخوض في هذا الحديث؛ لأنه بحسب رأيهم غير ذات أهمية وينصحوننا نحن معشر الصحافيين العناية بما هو أهم.. هذا الأهم الذي لايفقهون عنه شيئاً في الأصل غير أن هذا الرد أو النصيحة كما هو معلوم تندرج تحت بند الهروب من استحقاقات الإجابة المحرجة، وما يزيد الطين بلة هو أنه ومن خلال مراجعة السجل المهمل الذي يوثق عدداً من الاعتداءات التي تعرض لها طائفة من رجال المرور تبين لنا أن مرتكبي هذه الحماقات هم من علية القوم «مسئولين ونافذين ومشائخ أو أبنائهم أو أقاربهم». الأمر الذين يدعونا إلى إسقاط أية فكرة قد تتبادر إلى الذهن من أن يكون الخطأ في الأساس من شرطي المرور لأن الغريم ببساطة من أبناء الذوات لأنهم يعتبرون أنفسهم فوق المساءلة وفوق القانون، وإذا افترضنا جدلاً احتمالية وقوع الخطأ بسبب تصرفات غير مسئولة تدفع هذا الشخص أو ذاك إلى الاعتداء وبالتالي فإن البعض يرى أن الشرطي يستأهل ما جرى له وأكثر؛ فإذا حدث ذلك فإنه لا يعد مبرراً كافياً لأي اعتداء همجي من قبيل الاعتداء بالضرب أو بالسلاح الأبيض أو بإطلاق النار، فالناس الأسوياء هم وحدهم من يمتلكون الاتزان العقلي المطلوب الذي يحتم عليهم اتباع القنوات القانونية المرعية في مثل هذه الأمور والتي تبدأ بطرح الموضوع على المسئولين المباشرين خاصة وهناك تجارب يؤكد أصحابها تعرضهم لمواقف استفزازية قد يرتكبها بعض العناصر من رجال المرور وتم إنصافهم مباشرة بمجرد وصول الشكوى إلى المسئول المختص. وفي آخر تقليعة ضمن مشاهد هذا المسلسل الدرامي المؤسف نشرت صحيفة «الجمهورية» قبل عدة أيام خبراً بالمانشيت العريض مفاده «تعرض أحد رجال المرور بمدينة إب أثناء قيامه بواجبه المنوط به في إحدى الجولات القريبة من المبنى الرئيس لإدارة المرور بالمحافظة إلى الاعتداء بالطعن "بالجنبيه" أسعف الرجل على إثرها إلى أحد المستشفيات في أمانة العاصمة نظراً لخطورة الطعنة التي أصابته في ظهره حسب شهود عيان». والسؤال هنا: من هذا المعتدي الذي استمرأ لنفسه حق الاعتداء على الرجل أثناء تأديته واجبه والذي سبقه إطلاق كوكتيل من السباب والألفاظ النابية بحق الشرطي.. هل تعلمون من هو؟!!. إنه رجل يفترض به أن يحرص على تطبيق الأنظمة والقوانين؛ لأن هذه الأشياء تصب في مجال عمله، وتصل الدهشة منتهاها إذا عرفنا أن سمو المعتدي يشغل منصب مدير أمن إحدى المديريات في المحافظة!!. وأريد منكم جميعاً أن تضعوا أكثر من خط تحت صفة «مدير أمن» والذي يعول عليه الكثير من المساهمة الفعالة في استتباب الأمن وإشاعة الطمأنينة والأخذ بيد المظلوم والضرب على يد الظالم.. فهل بعد هذه المهزلة مهزلة يمكن أن تقال؟!. وفي هذه الأثناء هناك مساع ووساطات وكالعادة للتحكيم وربما الهجر نسأل الله «أن يسد الشأن». غير أن الأهم ولمزيد من الفائدة إيراد العلة أو السبب الذي دفعت بالمسئول الأمني لافتعال جنايته المنبوذة في عرف وأخلاقيات رجل الشرطة، ولا نأتي بجديد يُِذكر إذا قلنا إن السبب يتلخص في طلب رجل المرور من مدير الأمن الذي أوقفت سيارته الحركة المرورية في الشارع أن يسارع بالانطلاق من وسط الشارع أو الوقوف بطريقة فنية على أحد جانبي الخط لا أقل ولا أكثر..!! ولكم كل الحق في أن تصدقوا أو لا تصدقوا..!!. قبل أيام كنت في زيارة لإدارة المرور في ذمار، ولدى احتدام النقاش حول امتهان رجل المرور هامسني أحدهم بعد أن تلفت يسرة ويمنة بالقول: أحد زملائنا قبل سنة تقريباً تعرض للاعتداء بالضرب والرفس والركل من شيخ «عفط» ومرافقيه أمام مرأى ومسمع من يشهد لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ ولم ينفع هذا المسكين لا وزير ولا غفير!!. ويستطرد الشرطي قائلاً: وبعد فترة ووساطات «وطرح جيهان عند الشيخ» تنازل الشيخ عن الاعتذار من أجل إعادة بعض ماء الوجه الذي أهدر من خلال «البوس على الجبين» التي لا تراها العين. وأكد صاحبنا أنه وزملاءه من حينها يفضلون طريق السلامة ويغضون الطرف قاصدين عن «حمران العيون الكبار» الذين يعرفون من سياراتهم الفارهة؛ لأنه وزملاءه - على حد وصفه - يعولون كوم لحم من الأطفال الذين يحتاجون إلى الرعاية، وأنهم غير مستعدين للمجازفة بحياتهم فلن ينفعهم بعد ذلك أحد. ويقول الرائد. عبدالولي السهمي، نائب مدير قسم الحوادث في مرور محافظة ذمار: لقد تعرض إلى جانب ذلك عدد من أفراد الإدارة إلى الاختطاف المقصود من قبل هؤلاء «العتاولة» بعضهم تم إعادته بعد جهد جهيد من خارج المدينة. ويضيف: إن هؤلاء الأعفاط.. ما كانوا ليتجرأوا على القيام بهذه الجريمة في حق المرور والأمن والدولة لولا إدراكهم الأكيد أنه لن يطالهم أي عقاب؛ بل على العكس من ذلك فربما يحظون بمكانة أعلى وحظوة أعظم في المجتمع ولدى المسئولين. ومن هنا أتوجه إلى الإدارة العامة للمرور - بصفتي مواطناً يهمه أمن هذا الوطن - طالباً من المسئولين الشروع على جناح السرعة بوضع آلية شديدة الصرامة تحفظ لرجال المرور كرامتهم وتصون مكانتهم وتقدر دورهم مع عدم إغفال تصرفات من يسيئون إلى رجل المرور عن طريق المراقبة والإشراف المستمر الأمر الذي يرسخ في الأذهان هيبة الدولة وسيادتها.. أم أن القضية ليست ذات أهمية؟!!. والله من وراء القصد.