تمشي في شارع الستين وهواجسُ نفسها تتساقطُ عليها، تمدُّ لها خطاً تنطلقُ منه ثرثرة صراعها المرير بين إقناعٍ ورفضٍ للسفر إلى دولةٍ عربيةٍ لإكمال دراستها التي كانت تحلمُ بها دائماً، كيف تقنع أهلها بالسفر من أجل بناء مستقبلها المجهول،وأهلها رافضون مبدأ فكرة السفر من أصله .هطلَ مطرٌ غزير، وهي تمشي مرتجفةً متجمدةً يمتلكها الخوف على الكتاب الذي تحتويه بين يديها رغم أنَّهُ قديم، هبتْ مع الأمطار رياحٌ شديدة ، أحنتْ رأسها مرتعشةً تتبع خطوات جديدة الأثر ربّما توصلها إلى مكان تحتمي فيه حتى ينتهي المطر، شجرة قصيرة متفرعة الأغصان لجأت إليها، ظلت واقفة تحت الشجرة ، رأت امرأة قادمة نحوها، بللّ المطرُ ثيابها تمشي على رجلٍ واحدة وتمتلك يداً واحدة والأخرى تتوكأ بها على عصا تساعدها على السير، أسندت ظهرها على الشجرة، هيئتها أشعلت حرائق السؤال في فضول فاطمة، جلست على صخرة باكيةٍ بينما المطرُ كشفَ عن شعرها المستعار المتقن الصنع الموهم بأنَّهُ شعرٌ حقيقيٌ رغمَ تجاعيد وجهها، تنظرُ فاطمة باستغرابٍ إلى ابتسامة عينيها في حدود الذاكرة وصور الأشياء سألتها وهي تلعقُ الذهول : ما الذي سرقته لتقطع منك بعض أعضائك.؟ كلمة (لا) لمجرد رفضي الإحساس بالعمى، كثرة الالتفات إلى الوراء يسبب لرقبتي ألماً. توقف المطر، أنهى كرمه بقطراتٍ تضفي على الأوحال شكلاً دائرياً جميلاً نهضتْ كشمس زائرة توارت بين الرياح. انشغلت فاطمة بالبحث هنا وهناك عن كتابها القديم ومع صدى قطرات المطر سمعت صوتاً غير مرئي، أصغت إليه، تقدمت بخطواتها المتثاقلة بفعل ماء المطر الممزوج بالطين وإذا بكتابها الضائع قد احتواه ثعبانٌ كبيرٌ لفّ عليه بجسمهِ لفاً ونصب رأسه حتى يمنع أي شخص من الاقتراب منه انسحبتْ مذعورةً، اختفت بعيداً حتى لا يراها وينقضَ عليها، ترقبته من بعيد ليشعر بالأمان، مرّ الوقت ساعة، ساعتين بدأ يتململ بسبب جوعه، انسحبَ تدريجياً وهو يلتفتُ يمنةً ويسرة متوجهاً إلى مكان ما للبحث عن فريسةٍ يسد بها رمقه، تأكدت من خلو المكان جرت مسرعةً، تمكنت منه والعرق يتصبب خوفاً ، تصفحت أوراقه ويداها ترتعشان فوجدت بأنه نشَر سمّه على محتويات الكتاب وخرمَ بعضها بأسنانه قالت بصوت مبكي: _ لم يتركه إلا مشوهاً .