هل للحضور وجع؟! كنت أسمع بوجع الغياب.. ولكنك أفهمتني معنىً آخر للوجع وللأسى وللدمع.. حضورك بات سكينا تغرسه قدماك على تلك الأرضية الشفيفة في قلبي.. حضورك بات ذو نكهة جديدة للألم.. وصدى اسمك.. اسمك الذي ما كان يطربني شيء مثله تلوكه الشفاه فيقع على أذني كأتعس سيمفونية شقاء.. عزفتها تراكيب حروفك.. اندماجها.. تكونها.. تراص حروفها.. كل ما فيك ما هو إلا الوجه الآخر للوجع كم من السنوات التي سأقضيها وأنا أسيرة هواك؟ سنة.. سنتان.. ثلاث.. أم هو العمر المهدور على قارعة الحب.. قبل عامين كان حضورك كحضور الربيع بالنسبة لي.. يحيل ليالي المنهكة بالسهر والأرق إلى بساتين ورود جورية وأظل في سعادة ونشوة إثر ذلك الحضور لمدة أسبوع كامل.. أتوسد القمر وألتحف السحب وجاراتي النجوم.. ذلك كله لأنك حضرت.. فقط حضرت.. فزرعت بداخلي آلاف الآمال وصرت أنسج أساطيرَ وحكايا حبٍ لا محدودة.. أعلم.. أنك لست بخائن ولا غدار ولم تكذبني يوما! وأعلم أن الخطأ كان خطأي أنا.. أنا فقط..
دونا عن كل الرجال استطعت وحدك أن تشد انتباهي لوجودك.. الدائرة التي أعمل بها مكتظة دوما بالرجال من مختلف الجنسيات ومن كل الطبقات ولكن وبدون سابق إشعار كان لهدوئك.. لأدبك الجم.. لأناقتك.. لرقي حديثك كبير الأثر علي.. وأنا التي خلت أن لا قلب لي ولا شعور.. أنا التي خلت في لحظة حمق أن ما بداخلي رغم النبض ما هو إلا صحراء قاحلة لن يجد أحدهم شجرة يستظل تحتها.. وبحكم العمل المشترك بين دائرتنا ومكتبكم..تكررت زياراتك وتكررت على إثرها سعادتي وفرحي الذي ما إن عرفت سره حتى شعرت أنني سقطت في هوة عميقة لا قرار لها.. أهذا هو الحب؟! ومن أصاب؟! أصابني أنا!! أنا التي ترفعت عن هذه المشاعر وظننت كل من وقعت في الحب أنها آثمة ومقترفة لأكبر جرم في حياتها ناسية أو متناسية أن هذا الشعور قدر إلهي يقدره على من يشاء. نعم في لحظة صدق مع الذات خرجت بنتيجة أنني عوقبت بك.. عاقبني الله لتلك النظرة المترفعة لكل من حكت لي آلامها وأوجاعها من هذا الحب. هل أنت عقاب حقا.. كيف للعقاب أن يكون بهذا الدفء؟! كيف للعقاب أن يحول دنياي إلى أهازيج مسرة ورحلة ابتسام دائمة؟ كيف لك أن تحيل ذرات الروح إلى وهج قمري انبعث على ملامح وجهي فصارت كل القريبات تسألنني عن سر اشراقة وجهي فأجيب ملء الروح وملء الكتمان إنه أنت.. حضورك.. لشد ما أربكني هذا الحضور.. هل لي الآن أن أسألك عن سر اهتمامك بي؟؟ ولٍمَ أنا دونا عن كل الموظفات التي تختارني لأترجم لك؟ ولٍمَ أنا من تثق بإتقاني لعملي ثقة تجعلك تعهد لي بجميع أسرار عملك فأقوم بنسخها وطباعتها وترجمتها لتأتي إلي في يوم آخر وكلك ثقة بأني كاتمة لأسرار عملك وأمينة على كل الملفات.. لم توجه لي دوما استفساراتك عن أي شيء حتى لو لم يكن في دائرة اختصاصي.. وكأني الوحيدة في هذا المكان.. أو لم تكن هناك سارة.. وأسماء.. ومنى وليلى..؟! شكرا لك كل ذاك. أتعلم ما الذي أحدثته وأنت حديث كل الموظفات عمن ستكون رفيقة عمرك وأنت في عظيم تألقك.. كن يحسدنها قبل أن يعرفن من هي.. وبحماقة مني ظننت أني من يحسدنها. ذات حزن نزفته الذاكرة قررت الغياب علي أجد من يسأل عني.. في اليوم التالي ذهبت لأجد ورقة ممهورة بخطك تقبع على مكتبي: “ سلامات.. أمنيتي أن أراك في أحسن حال.. دمتي بخير” يااااه.. ما الذي زادته تلك الورقة؟ فكم من الزميلات تغيبن ولم تكلف نفسك الاستفسار عنها.. ما الذي أريده أكثر وأي تأكيد لي أكبر من هذا.. هل تصدق ما الذي يريحني؟! أنني لم أبح بحماقاتي تلك لأحد حتى أقرب المقربات..كان ما حدث بعدها أكثر تأكيدا على غبائي لا غير.. يكلفني المدير بطباعة تهنئة بشكل لائق جذاب لتوزع على جدران المكاتب.. فابتسمت وقلت من سعيد الحظ؟ فرد ببرود.. قتلني ببرود دون أدنى شعور:” إنه مطر أظنكِ تعرفينه جيدا المهندس صاحب..... هوى اسمك على قلبي كانفجار مدمر.. لا أدري كيف هززت رأسي وكيف طبعت التهنئة وكيف عدت إلى المنزل.. ما حل بي بعدها أعجز عن رسمه أو وصفه.. فهو أكبر من اللغة وأعمق من البحر وأثقل من الجبال. ما زلت تأتي وتختارني دون الأخريات وتحدثني بلطف وتسأل عني إذا ما غبت.. ولحضورك نكهة الصبار وطعم الحنظل في فمي لا لشيء بل لأنني أدرك كم كنت حمقاء ..وتصر على زلزلتي لآخر لحظة فترسل إلي زوجتك المصون لتتعرف علي وتخطبني لأخيها ..لعبة أكبر من قدرتي على الخوض فيها رفضت بأدب من جهة ومن جهةٍ أخرى كتبت استقالتي لأرتاح ..أرتاح من وجع حضورك وأساه.