لم يستقبل العرب العام الجاري (2009م) كما يستقبل أشقاؤه السلف : فالاجتياح الإسرائيلي الذي باغت قطاع غزة قبيل يومين من حوله ، كان كفيلاً بمصادرة الفرحة من وجوه الملايين في عواصم الدول العربية ، والإسلامية ، والعالمية. تحوّلت طقوس الاحتفالات المعتادة لحظة إطلاق صافرة عام جديد ، إلى مظاهرات منددة ب(حرب ظالمة) ووجد ملايين البشر أنفسهم يشاركون في «مسيرات غضب» دعا لها علماء دين وقادة دول ، للتعاطف مع أشقائهم في قطاع غزة بأبسط ما يستطيعون إليه سبيلا. حماسيون كوارث قوم ، عند القوم الآخر «كنوز» .. أو فوائد غير متوقعة .. هكذا تقول الحياة ، وسننها على مر الأزمان. في اليمن ، وجد أصحاب محلات «زينة سيارات الأعراس» ، والذين يعيشون حالة ركود في أعمالهم ، وجدوا أنفسهم في «موسم عمل» مختلف، ملوّن بالعلم الفلسطيني ، وصواريخ القسام. مئات السيارات اليمنية ، خلعت معطفها الدائم ، لتلبس جلود المقاومة وتصول في شوارع المدن على إيقاعات «مارسيل خليفة» «منتصب القامة أمشي». يقول أحد أصحاب محلات الزينة في مدينة تعز : «هذا نوع من التضامن». ما يقوم به صاحب سيارة فارهة بتلطيخ الوان العلم الفلسطيني على جدارها الخارجي ودفع الفلوس من أجل ذلك هو «جهاد مصغّر». ويضيف : حرب غزة التي صادرت حتى الآن مئات الشهداء والآلاف من الجرحى في القطاع وتسببت بأزمة إنسانية ، درّ على عشرات الأسر هنا ب(رزق من حيث لا نحتسب). الحلم العربي { على الرغم من تحوّل عدد من الفضائيات العربية إلى ما يشبه استديو «بث مباشر» ، لنقل الأغاني الثورية الحماسية على مدار الساعة، إلاّ أن أحداث غزة أشعلت أيضاً سوق أناشيد المقاومة الملتهبة في شوارع مدن اليمن. جولة خاطفة ، ستجعلك تشاهد «الحلم العربي» يتجول راجلاً في الأزقة ، وفرقة شباب «حطين» يبادلونك التحايا ب«لبيك إسلام البطولة كلنا نفدي الحمى». ستسمع جوليا بطرس تصرخ بكل قوتها مستغيثة : «وين الملايين» وسيد إمام يغني «الأرض بتتكلم عربي» ، وعبدالوهاب يصرخ «أخي جاوز الظالمون المدى». مكبرات الصوت في الاستديوهات والمحلات والمدارس وباصات النقل تهتف بقوة ، والأطفال والشيوخ يرددون بحسرة .. وحرقة. شال «قسّام» { «الشال» لباس حصري للرجال فقط .. يُطلق كثيرون على النوع الملون بخطوط سوداء وبقع بيضاء بأنه «شال المقاومة» ، نسبة إلى الشهيد ياسر عرفات الذي كان الشال يعتلي رأسه على الدوام بعد خلعه ل(البزة العسكرية). الأسابيع الماضية ، غزت هذه الأنواع من الشيلان أعناق الفتيات في اليمن بمختلف مستوياتهن ، مدارس وجامعات. وجدت مئات الطالبات في كليات الجامعات اليمنية أنفسهن يرتدينها كتعبير وتعاطف بسيط مع فتيات أصبحن عالقات بين الحياة والموت ، وأطفال يعيشون أفدح الظروف القاسية. تقول إحدى طالبات كلية الآداب بجامعة تعز : «أتخيل هذا الشال «صاروخ قسام» بامكانه الانتقام من جيش أزهق مئات الأرواح بأسلحته الحديثة. وتتابع : أحداث غزة سرقت منا معظم أوقاتنا .. ما نقضيه أمام التلفاز لساعات لمشاهدة ما يحدث من جرائم لا إنسانية ترتكب والعالم يتابع بإعجاب ، عكس الأمر على نفسياتنا. 90 % من نقاشاتنا مع زميلاتنا وأهلنا ، نتحدث عن غزة ، وحرب غزة ، والاعتداءات البربرية على أهالي غزة. وتضيف : ما يحدث يجعل التفكير في الاستشهاد أمراً لاتردد فيه. لو تيسرت الظروف لنا ، لوجدتم مئات النساء العربيات يتقدمن صفوف المجاهدين ، باعتبارنا ذوات عاطفة أكبر ، ولكي نمسح الصورة السيئة التي لصقت بالقادة العرب إزاء موقفهم المخزي تجاه العدوان المستمر. ال«ألين أفئدة» { ضحايا حرب غزة ، لا يستقبلها مستشفى «الشفاء» في القطاع فقط ، فالعشرات من مستشفيات اليمن كانت في انتظار ضحايا بإصابات من أنواع مختلفة. الأيام الفائتة ، كانت إحدى نساء قرية الأعبوس في تعز تنقل إلى إحدى مستشفيات المدينة بعد تعرضها لنوبة مفاجئة ، قال أحد أولادها ل(الجمهورية) إن السبب : «وائل الدحدوح» يقصد مراسل قناة الجزيرة الفضائية في قطاع غزة الذي كان يتحدث عن قذيفة إسرائيلية أطاحت بأسرة فلسطينية كاملة. وأضاف: إن والدته امتنعت منذ بدء الغارات الجوية المواظبة أمام جهاز التلفاز لساعات مطوّلة مما جعل قلبها الحساس ينهار فجأة. ولم ينتبهوا لها .. معتبراً أن مرض والدته كفيل بمصادرة التلفاز من أمامها حتى انتهاء الحرب. تعاطف نساء اليمن ورجاله مع الفلسطينيين ، لا حدود له .. هكذا تؤكد المسيرات شبه اليومية في شوارع المدن والتبرعات التي يقوم بها أناس كُدّح يُفضلون إنقاذ طفل جريح على أنفسهم ، ويدلل على أن شعب اليمن يوماً بعد آخر «الأرق قلوباً». فالأزمة القلبية للسيدة ، لم تكن هي الحالة الأولى ، فهناك حالات مشابهة استقبلتها مشافي العاصمة ، وانتهت معظمها بالوفاة. قبل يومين ، كان التصريح بعدم فتح معبر رفح أمام مرور المساعدات لأبناء غزة ، كفيلاً بمصادرة روح أحد أبناء محافظة صنعاء إلى الحياة الأخرى. شكراً شافيز بمواقفه القومية ، استطاع الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز التربع على قلوب مئات العرب ، خاصة بعد طرده سفير اسرائيل ، وتنديده المستمر بجرائمها في قطاع غزة. غزت صور شافيز زجاجات السيارات ، واعتلت مجالس المنازل.