اختلف كثير من الناس في تعريف السعادة ، والطرق التي تؤدي إليها ، إلا أنهم اتفقوا بأنها هدف كل إنسان عبر الزمان والمكان وأي كان ، بهذا تحدث عنها الفيلسوف والأديب وعالم النفس وعالم الدين والاقتصاد والسياسة ، وعندما وجهت سؤالاً لعدد غير قليل من الناس من مختلف المستويات والتخصصات والأجناس عن ماهية السعادة كانت إجاباتهم إنها الرضى عن النفس ، القناعة ، ارتياح الضمير ، رؤية الناس سعداء ، التوافق مع الذات والآخرين ، تحقيق الذات ، تحقيق الأهداف ، وجدت هذه التعريفات في عدد من المؤلفات الأدبية والفلسفية وغيرها إلا أنني أرى أن هذه التعريفات ليست تعريفات للسعادة وإنما هي طرق للوصول إلى السعادة من وجهات نظر مختلفة ، وأرى بأن السعادة تقترب من الشعور الوجداني بالارتياح والبهجة والسرور ، وهي لحظات غير دائمة أو متصلة في حياة البشر ، والإنسان السعيد هو الذي يمر بلحظات سعيدة أكثر نسبياً من الإنسان غير السعيد أي الذي يمر بلحظات سعيدة أقل ، والسعادة ليست معكوس التعاسة .. فالإنسان قد لا يكون سعيداً وبنفس الوقت لا يكون تعيساً ، فقد نسأل أحد الأشخاص هل أنت الأن سعيد ، فيجيب ( عادي ) أي لست بسعيد ولست بتعيس ، وهذا يجعلني أضع ثلاث مراتب للمشاعر المرتبطة بهذا المفهوم . المفهوم الأول وهو مرتبة التعاسة وبها درجات ، والمرتبة الثانية هي المرتبة الوسطى وهي عدم الشعور بالسعادة والتعاسة ، والمرتبة الثالثة وهي مرتبة السعادة وبها درجات ، وبالتالي فإن شخصاً ما قد يحقق هدفاً من أهدافه ولا يشعر بالسعادة ، وقد يعود ذلك إما للهدف نفسه ودرجة أهميته لدى هذا الشخص ، أو يعود للشخص نفسه ، وأخر قد يكون راضياً عن نفسه لكنه يشعر بملل مميت ، وأخر قد يكون متوافقاً مع ذاته والأخرين وعمله وأسرته وملتزماً بنظام يرتب حياته ولا يشعر بالضيق غالباً ولكنه بنفس الوقت لا يشعر بطعم السعادة في معظم أوقاته ، إذاً كيف يكون الإنسان سعيداً ؟؟ بما أن معظم الناس يشعرون في أوقات متفاوتة بضيق وقلق وحزن واكتئاب ويحاولون التخلص من هذه المشاعر الأليمة فيتبعون طرقاً مختلفة ، وبعض هذه الطرق تؤدي إلى تقليل وتخفيف القلق والضيق وتولد السعادة ، والبعض الأخر يؤدي إلى مزيد من القلق والضيق ويصل بالفرد إلى التعاسة والشقاء . وطريقنا في هذه الحلقة هو التفكير العقلاني الواقعي ، وهو أسلوب ينطق من المقولة الشهيرة ( حياتك من صنع أفكارك ) وفحوى هذا الأسلوب أن أسباب الضيق والاكتئاب والقلق تعود إلى طريقة تفكير الفرد ، فهناك أفكار غير عقلانية تقينا من القلق والضيق وتخرجنا من حلقته وتحول حياتنا إلى سعادة وهناء ، فالفكرة التي تستولي على تفكيرنا تولد انفعالاً ومشاعراً تدفعنا إلى السلوك الذي يتناسب مع الفكرة والمشاعر ( فكرة – انفعال – سلوك ) . مثلاً ... عاد رجل من الغربة بعد أن جمع مالاً وسبق له أن تقدم لخطبة فتاة وعندما بدأ في التجهيز للزواج أخبره والد الفتاة أن ابنته تطلب فسخ الخطبة ..فكيف سيكون رد فعل هذا الشخص ؟؟ ربما يكون واحداً من الاحتمالات التالية: - إذا فكر وقال لنفسه أنها رفضتني بعد أن نصبت علي وأنها تسخر مني ، سيكون شعوره الغضب وسيدفعه ذلك إلى العدوان عليها سواء باللفظ أو الفعل . - إذا فكر وقال لنفسه أنها رفضتني لأنني غير جذاب وغير مقبول سيكون شعوره بالحزن والاكتئاب وسيدفعه هذا الشعور إلى الانطواء . - إذا فكر وقال لنفسه أن سبب رفضها لا يعود لشخصي وإنما لظروفها الخاصة ومن حق أي إنسان أن يقبل أو يرفض شريك حياته ، ولا يعني أن رفضها لي أن الأخريات سيرفضنني ، سيكون شعوره خال من القلق والضيق إلى درجة ما . فإذا قارنا الأساليب الثلاثة السابقة سنجد إنها وصلت إلى نتائج مختلفة من المشاعر والأفعال ، ونجد أن التفكير الأخير نتج عنه انفعال هادئ خال من القلق والاكتئاب على عكس التفكير الأول والثاني ، ونستنتج من هذا أننا إذا فكرنا تفكيراً سليماً عقلانياً واقعياً لخلصنا من كثير من المشاعر الأليمة التعيسة ولنجونا من آثار الانفعال الذي قد يضاعف أحزاننا فالغضبان قد يعتدي وإذا اعتدى سيعتدى عليه أو يعاقب وبالتالي يطول مسلسل التعاسة ويتفاقم .