لقد أهتمت موضوعة النقد ، بجل تصانيفها الفنية ، والجمالية ، والفلسفية ، بدراسة الخطاب النصي الإبداعي بمرجعياته الأدبية المختلفة ، حيث أطلق المعنى الوصفي على النقد الذي يُعنى بالمنتج المعرفي ، ومناخاته الفكرية ، وضمن إطار أطروحاته المتنوعة بإحالاتها الفنية ، والفكرية ، والتقنية ، والجمالية عند الكثير من المعنيين والمهتمين بعملية صياغة ( النقد الموضوعي ) ( Thematic Criticism ) وتحت مسمى او تعريف محاذي بتوأمة قصدية اشتغالية داخل رحم (النقد الأبستيمولوجي ) والذي يعنى بذات اللحظة القريبة من منظومة الثبات التدويني المعرفي في جسد الإخصاب الأدبي ، والمعروف ب( النقد التخييلي ) ، وقد اتجه هذا المناخ الجمالي والمعرفي من النقد الحديث المشتغل ضمن مناطقية الخطاب الأدبي النصي ، الذي أنتج وباستعداد ممنهج علمي مسمى ( النقد الموضوعي ) عند معظم النقاد ، وتتواشج هذه المنظومات بعنايتها الفائقة بشكلنة ( دراسة المحتوى ) لمنافذ النقد بمجمل نزعاته وتنوع إخصاب ملامحه الفكرية والجمالية بمراعاتها القصدية الفاعلة داخل مسلمة الإطار الشكلي الفني لذات الخطاب الأدبي التدويني. ولقد توغل النقد الموضوعي ابتدءا بالانفتاح على المرحلة الرومانسية ، ثم تنامي هذا الاتجاه من الناحية الجمالية والمعرفية لدى ( مارسيل بروست ) حينما نشر كتابه ( ضد سانت بوف ) وكانت مجمل المحاولات التي تلته قد ركزت على الوعي ، في تأمل علاقة الذات المنبهرة بكينونتها الآنوية العليا ، مع الكون المحيط بها ، وضمن التصورات المتخلية الزمكانية وداخل إيقونة تفاعل الأسباب والمسببات ، داخل الملامح البيئية لتلك الدلاليتين الواقعيتين في حيز ( الزمان – المكان ) واعتنت ايما اعتناء بالتنظير لتلك النظرة الثاقبة في المعاينة الدقيقة ، لدعم منهج ( الظاهراتية ). وقد اشتغل هذا المنهج ( الظاهراتي ) وفق انتظام مقام نقد وضع ( الجوهر ) ( Essences ) في الوجود الذي اطلق عليه ايضا مسمى ( نقد الخيال ) أو ( نقد الوعي ) الذي اهتم به ، وجهد في اغناء ملامحه الأصلية وإبراز مظاهر مناهجه التأسيسية ومناطق توهجه النقدي ( غاستون باشلار ) الذي اهتم اهتماما بالغا بذات الدلالة المتوازنة التواقعية ب ( الفاعل ) فقد وسع ( باشلار ) منهجياته تلك التي اشتغلت على هذه المواطن النصية ، لتشمل المعرفة العلمية ، وتواصلها بين مدركات ( الوعي ) ومناخات ورؤى وملاذات ( اللاوعي ) بتداخلية مفرطة ، مع أحلام اليقظة ، وأزمة خيال المادة ، والمديات المتعلقة بالتحليل النفسي ، مع ظواهرية تحسس الصور ، في مدى انطلاق الصورة داخل ماهيات ومناخات ( الوعي ) ابتداءً ، و( اللاوعي ) تاليا ، للانتهاء أو الوصول لمعنى واحد ، يستبق صيرورة ( الظاهرة ) ليؤسس لها إعلانا لاحقا ، عبر مرحلة استقراء المنتج المخيلاتي النقدي . كما وركز الفرنسي ( جان بيير ريشار ) على عالم التخييل ، لفهم الموضوع بشكل رمزي ، بمعنى انه يقوم بإحالة ( المعنى ) الأصيل إلى ال( لا معنى ) أو العكس ، حسب قواعد التواصل التطبيقي لملازمة الاتجاه النقدي بالموضوع والقصدية الفاعلة في متن المعنى الحسي ، ومجسات الخيال ، ومن ثم لإيجاد علاقة واضحة بين الدال والمدلول ، وضبط تلك المشروعية الغائصة في بون اللغة الطبيعية اللامتناهية ، وايضاح جدولة القصدية الواعية ، وبين ذات الموضوع او الخطاب النصي ، والذي يعتبر اهم منصة من منصات تصنيفات المعنى ، وصولا لتوضيح شكل البنية العميقة للموضوع ، وتنشيط السبيل الغرضي الجمالي القصدي في عملية نمو العلاقة داخل ملامح الخيال ، ومن ثم علاقة الخيال بالمدركات الحسية ، وهنا علينا توضيح مهمة الجدوى من هذا الترابط بين الحس بالمعنى من جهة ، وبين المعنى في متن الموضوع ، من جهة اخرى ، لنفضي الى رحبة تكوين العلاقة المتماسكة الى ( معنى المعنى ) وهذا التقصي الحقيقي الاستنباطي لل ( الظاهراتية ) التي ستدلنا الى معنى جدلي آخر تبوح به لنا بتودءة تنظيرية تبدو هي مصدر الإشكالية الكبرى ، في فهم هذا النمط من انماط المناهج النقدية الحديثة ، وهو ( معنى المعاني ) ، الذي يقودنا بالخلاص النهائي الى المعنى الذي تستخرجه او تستنبطه عملية النقد من مجمل المعاني ، لتعيدها تارة اخرى وبقصدية مشاعة لظاهرة النقد الى كل المعاني ، بمعنى استخلاصي موجز ، ان جوهر المعنى يقود النقد الى جل الاتجاهات ، وبذات اللحظة القريبة من درجة صفاء النقد الموضوعي ، والاتجاه يقودنا الى كل المعاني داخل الخطاب النصي او المدون الخطابي بمجمل تصانيفه . ولدى البحث والاستقصاء في المناخات الجمالية المعرفية داخل مناهج النقد الظاهراتي ( الفينومينولوجي ) ( Phenomenologi ) حيث وظف هذا المنهج الماهيات والاتجاهات والايعازات الجمالية المتلاقحة بالمواشجة المعرفية عند جماعة النقاد في مدرسة ( جنيف ) والتي ضمت تحت جنباتها التنظيرية أهم الأسماء النقدية امثال ( مارسيل ريمون ) و ( جان روسيه ) و ( جورج بولي ) وقد خلصت هذه الجماعة في تحليلاتها معتبرة المنطق ، هو مجمل الأعمال الأدبية وتصنيفها على انها محض عالم خيالي يحتاج الى منظومة استقرائية ثانية تعتمد على الأصالة ، لانها تجول بمصنفاتها المختلفة خارج العالم المعاش اليومي الذي يحسبه وفق الخيال المدون أي ( الكاتب ) الذي هو بالأصل التشكيلة المعمارية لمخاض وعيه ، من خلال التواجد الآني او التجوالي في مهمام الانشغال المعرفي البحت ، بشاعرية الفضاء وظاهراتية المُخيلة . وقد سعى المنهج النقدي لإظهار حدود الموضوعات ، ومن درجات الالتصاق بمفهوم الأدب بشكل عام ، على اعتباره عالم متخيل ، وهذا يقودنا بطبيعة الحال ونحن نكشف عن الميزات الجمالية لعملية النقد الموضوعي ومناخاته الجمالية الى الإشارة الحتمية والتي تقودنا بالتالي الى فحوى مجمل استنتاجات الجدوى الفاعلة في مقامات الحركة النقدية ، فحركة النقد الحديث بجل اتجاهاته لا يتنصل او يخرج عن النص ، بمعنى انها تفهم او تحاول جدولته داخل حلقة الوصف التخييلي ، وهذا لا يعني بالإجمال النقل الحرفي لحركة الواقع المعاش وفق نظرة فوتعرافية تسجيلة بيلوغرافية ، وإنما يجعل الكاتب من العالم من حوله عالما واقعيا حالما او خياليا ، ليبرر الكيفية الفكرية او الفلسفية المعالجاتية المتاحة لباحة الخطاب النصي ، للبوح من خلاله ، عن مجمل تصوراته اللحظية الآنية لتكوين او صياغة الموضوع ( الخطاب( ان مناهج النقد الحديث تعالج النصوص بمجمل اختلافاتها الأدبية والفنية ، وتنظر اليها على أنها وحدة مستقلة بذاتها ، وتاتي هذه الاستقلالية لتؤسس لمنهج النقد الموضوعي ، لاستخلاص المناحي الجمالية ومن ثم تناوله وفق منظومة عملية الكشف عن الجوهر ، والتمييز الواضح بين الواقعي والمتخيل . وتحاول جاهدة البرهنة على معادلة الكشف الاستدلالي الجمالي ، واستنباط المحرك الديناميكي لمعالجة الموضوع المعرفي ، وربما هي المناطق الرحبة التي تميز المعالجة للنص عبر منطلقات النقد الموضوعي وهو بالتالي تؤسس الى ( مناخات جمالية ) لتحليل وتأطير أساليب مناطق وطرائز المعالجة لجل الاتجاهات المعرفية للخطاب النصي ، ووفق مراحل مميزات فنية فكرية معرفية فلسفية في (النقد الموضوعي) ولعل الذي يجيء على رأسها في رأينا التالي: أولا :- الإيعاز القصدي لإفراز مفاتن التغازل الوعيوي وفق المعالجة الموضوعية للخطاب النصي وبالعموم ليتحسس هذا الاستشعار التأسيسات الجمالية ، والفلسفية ، وتعتمد هذه النظرة بالكلية ، على النظرية المعرفية أي الرجوع الى الطقوس الشعائرية او المناخات القصصية الخرافية ولعل الذي اعتمد هذا النهج في النقد هو ( باشلار ) ويعتمد في منهجه هذا في النقد والتحليل من خلال الوعي التام . ثانيا: - مدى التصاق الذاكرة الفردية ( الذاتية ) بالوعي ، واللاوعي . ثالثا :- على النص الخطابي او المدون الخطابي ان لا يخرج البته عن منظومة الاتجاهات الجمالية المرتبطة ضمنا بالحث المعرفي . رابعا : - الالتزام الشرطي بمغازلة الواقع المعاش ، بشرائط المحافظة المثلى في التأسيس الخطابي على فحوى التحليق في اللامرئي والمتخيل الجمالي التراتبي المجدد . خامسا : اعتبار الكتابة مرحلة من المراحل الفنية ، والقراءة مرحلة من المراحل الجمالية ، لإحالة هاتين القراءتين الى مرحلة النقد الموضوعي بمناخاته الجمالية ، لاكتشاف مظاهر الإبداع الاستثنائي للنتائج المهمة المتداخلة في رحم منصة النتاج المعرفي الأدبي والفكري ، وهي مرحلة إخضاع النص لملازمة شرائط الوعي التام ، وفق استنباط الاحكام الواقعية ، او الخيالية في الخطاب النصي . سادسا :- التمايز الاسقاطي بين مناهج النقد العديدة ، لفهمها ابتداءً ، ومن ثم الاتكاء الاستنباطي العلمي لدعائم ملامح النقد الموضوعي الحديث ، وتخيل مناخاتها الجمالية ، لتكوين فكرة نقدية ملازمة لجوهر هذه الملامح ، لتأطير ذلك المتخيل الموضوعي الفهمي الدقيق للمنتج الإبداعي وفق تلك الملامح المشتغلة في المناطق الجمالية والخيالية الخصبة . سابعا :- اعتبار المنجز الإبداعي قبل إخضاعه لعملية النقد الموضوعي ، نصا بدائيا يحمل ملامح مشعة متخمة بالمناخات والطرائز الجمالية ، حتى نتجنب الوقوع بفخ التعاطف الجمالي الاستباقي مع الخطاب النصي ، لتلافي خاصية إعدامه جماليا ، او بالكلية. ان تحديد فهم الموضوع داخل الخطاب النصي ، يفيد بل ويقرر مهمة النقد الموضوعي الذي يشير وبوضوح تام ، الى ان كل هيكلة قرائنية متميزة ، تعني الدال والمدلول والدلالة في العمل الأدبي وهي من معالم الوجود في الكون الفضائي الخصب الخاص بالكاتب ، وهي بالتالي ، افتراضية معرفية استباقية للخطاب النصي ، والتي هي بالأصل من المعارف الخارجة عن ذات الخطاب النصي ، وهي بمثابة مقاربة اسقاطية لجل الموضوعات داخل النص ، وليس بالضرورة ، أن نفرض معرفاتنا الخارجية التنطيرية عليها بل ينبغي استنباطها من خلال عمليات الوعي واللاوعي المُتخيل الموضوعي ، ووفق مناخات جمالية ، تتحرك بحرية داخل جسد النقد الموضوعي الحديث .