عاش في قديم الزمان رجل مع زوجته التي لم يرزق منها بذرية وعندما حملت منه كان المرض قد داهمه وأحس بدنو أجله فقال لها أشعر بدنو أجلي وأن عمري لن يمتد حتى تضعي مافي بطنك وكل الذي أملكه هذه الثلاثمائة (300) ريال فاذا وضعت ولداً اوصيك ان تحتفظي له بها الى ان يبلغ رشده فقالت له زوجته إطمئن سأعمل بوصيتك ...مات الرجل وبقيت زوجته تنتظر أوان المخاض ووضعت ولداً اخذت ترعاه وتهتم بتربيته والاعتناء به حتى بلغ رشده وصار قادراً على إدارة أموره بنفسه وعندها سألها ما الذي أوصى به أبي قبل موته ؟؟؟ لم تشأ أمه أن تطلعه على كل وصية أبيه ال(300 ريال ) مخافة ان يسيء التصرف فيفقدها كلها في وقت واحد فقالت له اوصى لك بهذه ال(100 ريال ) فقالت له ذلك وناولته ال(100) ريال فتناولها منها مسروراً واتجه بها نحو السوق ليستثمرها في البيع والشراء وبينما هو يحث خطاه نحو السوق استوقفه رجل كهل قاعد على جانب الطريق وسأله الى أين أنت ذاهب يابني ؟ أجابه الولد بفرح الى السوق لاستثمر هذه ال(100) ريال التي خلفها لي والدي قبل موته فقال له الرجل : أعطنيها وسأبيع لك بها حكمة تنفعك طوال عمرك مد له الولد بال(100) الريال وهو يتساءل ماهي حكمتك ؟ تناول الرجل منه النقود وقال يجيبه اليك حكمتي : ((اقنع بالقليل يأتيك الله بالكثير )) . فرح الولد بذلك وانصرف عائداً الى بيته ليجد امه تنتظره على قلق لترى ماذا صنع بال(100) الريال وما ان وقع نظرها عليه حتى بادرته متسائلة ماذا صنعت بال(100) الريال التي أوصى لك بها أبوك ؟ أجابها مبتهجاً : اشتريت بها حكمة تقول : (( اقنع بالقليل يأتيك الله بالكثير )) سمعت أمه ذلك منه وصمتت على مضض وتركته لحاله .. وفي صبيحة اليوم التالي قال لها ابنها متسائلاً ماذا أوصى لي أبي ؟؟؟ أجابته بفتور أو صى لك بهذه ال(100) الريال تناولها منها وانصرف مسروراً ليتجه نحو السوق واذا بالرجل الشائب يستوقفه متسائلاً الى أين انت ذاهب يابني ؟؟ الى السوق لاستثمر هذه ال(100) الريال التي خلفها لي والدي قبل موته . فقال له الرجل أعطنيها وسأبيع لك بها حكمة تنفعك طوال عمرك مد له الولد بال(100) الريال وهو يتساءل ماهي حكمتك؟ تناول منه الرجل ال(100) الريال الثانية وقال له اليك حكمتي : ((لاتخن من ائتمنك ولو كنت خائناً )). سمع الولد ذلك منه وانصرف عائداً الى بيته ليجد أمه في انتظاره لتعرف ماذا صنع وعندما قابلته قالت له متسائلة ماذا صنعت بالمائة الريال ؟؟ اشتريت بها حكمة تقول : (( لاتخن من ائتمنك ولو كنت خائناً )) سمعت أمه ذلك والحنق والغيظ يملأ نفسها ولاذت بالصمت وتركته وانصرفت لحالها إلا أنه بادرها في صبيحة اليوم الثالث متسائلاً ماذا أوصى لي أبي؟ أجابته بفضاضة أوصى لك بهذه ال(100) الريال تناولها الولد منها وانصرف متجهاً الى السوق ليرى ماذا عساه سيصنع بها واذا بالرجل الشائب يعترض طريقه متسائلاً الى أين أنت ذاهب يابني الى السوق لاستثمر هذه ال(100) الريال التي خلفها لي والدي .اعطنيها وسأبيع لك حكمة تنفعك طوال عمرك ...مد له الولد بال (100) الريال وهو يتساءل ماهي حكمتك تناول منه المئة الثالثة وقال له اليك حكمتي .. ((اذا لقيت شرحاً لايفوتك )) (( الشرح هوالرقص الذي يحدث في حفلات الزواج والأعياد )) ... سمع ذلك منه وانصرف عائداً الى قريته ليجد أمه في انتظاره والقلق يملأ نفسها لتعرف مصير ال(100) الثالثة والأخيرة وما أن شاهدته يقف أمامها حتى بادرته متسائلة ماذا عملت بال(100) الريال التي أوصى لك بها أبوك ..اشتريت بها حكمة تقول (( اذا لقيت شرحاً لايفوتك )) سمعت أمه ذلك منه وانصرفت حانقة إلا أنه بادرها متسائلاً ماذا بقي لي من وصية أبي عندك أجابته امه بحنق : لقد أنفقت كل ماخلفه لك والدك ولم يعد لدي ما أقدمه لك ..طأطأ الولد رأسه وقال يجيب أمه سوف أذهب لأبحث عن عمل خرج الولد من بيته بعد أن ودع امه وراح يتنقل في بلاد الله بحثاً عن عمل ...وبينما هو في طريقه صادف امرأةً عجوزاً تحاول إصلاح باب بيتها المكسور فلما شاهدته قالت له تعال أصلح لي هذا الباب وسأمنحك (( آنه )) أجرتك .. سمع منها ذلك وأجابها أفضل أن أبقى بدون عمل على أن أعمل بهذا الأجر قال لها ذلك وانصرف من عندها إلا أنه سرعان ما تذكر الحكمة الأولى التي اشتراها (( اقنع بالقليل يعطيك الله الكثير )) فقال في نفسه : كيف أرفض هذا الأجر وقد اشتريت الحكمة ب(100) ريال وعاد مسرعاً نحو العجوز يصلح لها باب بيتها ، وعندما انتهى ناولته أجرته (( آنه )) فأخذها مسروراً وبقي يواصل سيره الى أن وصل الى باب السلطان فوقف هناك يبحث عن عمل فشاهده السلطان واقفاً فقال له : هل ترغب في أن تعمل عندنا : نعم عينه السلطان خادماً في قصره وغدا محل ثقته أما السلطانة فقد وقع هواه في قلبها وتعلقت به وراحت تتودد له وتلاطفه الى أن كان ذات يوم غاب فيها السلطان عن المدينة أخذت تراود الفتى وتعرض له نفسها وكاد الفتى يستجيب لرغبتها إلا أنه سرعان ماتذكر الحكمة الثانية : (( لا تخن من ائتمنك ولو كنت خائناً )) وقال لنفسه كيف أخون السلطان وقد ائتمنني فأعرض عن السلطانة ورفض الاذعان لها فحنقت وقررت الانتقام منه والوشاية به وعندما عاد السلطان قالت له لم أعد أحتمل وجود الخادم الجديد ولا اطيق بقاءه بيننا.. استغل غيابك عن المدينة وقام بمغازلتي وكل هذا نتيجة ثقتك به. انزعج السلطان من كلامها ووجد صعوبة في استدعاء الولد والتحقيق معه أو مواجهته بشكوى زوجته فقال لها سنطرده الآن من القصر فقالت معترضة طرده لايكفي ولابد من قتله لن أقتله بنفسي لكن سأوكل ذلك الى اهلك لك ماشئت وسأرافقه بنفسي الى عند أبي أحضر السلطان ورقة وقلماً وكتب رسالة الى أب زوجته قال له فيها : (( ساعة الوصول اقطعوا رأس الرسول )) وختم الرسالة واستدعى الولد وقال له احمل هذه الرسالة الى والد زوجتي وهي سترافقك الى هناك استلم الولد الرسالة وسار بها وزوجة السلطان تسير وراءه في وسط الطريق سمع أصوات الطبول في قرية مجاورة فتذكر الحكمة الثالثة التي اشتراها ب(100) ريال» اذا لقيت شرحاً لايفوتك» فتناول الرسالة وسلمها لزوجة السلطان وهو يقول لها : سأذهب الى حفلة العرس لأرقص مع الراقصين واحملي انت هذه الرسالة الى والدك وانا سالحق بك بعد قليل لم تمانع السلطانة في ذلك بل فرحت لانها ستقابل أباها قبله لتوغر صدره عليه ويعجل بقتله فذهبت مسرعة وعندما قابلت أبيها سلمته الرسالة ففتحها وقرأ فيها : ((ساعة الوصول اقطعوا رأس الرسول )) فقال لنفسه : يعلم الله أية خيانة ارتكبتها ابنتي في حق زوجها ولم يشأ أن يقتلها بنفسه وانما ارسلها الي لأقوم بذلك فاستعدى خدمه وأمرهم بقطع رأس ابنته في الحال وعندما وصل الولد كانت السلطانة قد قطع رأسها فاغتم لذلك وسلمه أبوها رسالة جوابية الى السلطان قال له فيها : (( ساعة الوصول قطعنا رأس الرسول )) وانصرف عائداً الى السلطان فسلمه الرسالة وقص عليه القصة كلها فقال له السلطان : اجلس يابني على رأس الظالم تقع ... من كتاب حكايات واساطير يمنية .