وربما يعزيه البعض للمتغير الزماني أو المكاني أو للطبيعة وتقلباتها وهناك من يجرد سيف جرأته ويمضي قدماً في التنكيل بأمة الضاد ويصفها بأنها غير قادرة على استيعاب معانيها ومفرداتها وهذه كلها اشارات محققة تدور في فلك الشعر العربي يوم كان الشعراء في كل واد يهيمون ليستخلصوا آفاق البعد الوجداني وتفاعلاته النابضة بألوان النوى والجوى والصد والسهر والى ما لا نهاية من آهات وتظلمات عباد الله ممن سقطوا مغشياً عليهم تحت سنابك الاستشعار بحالة الاتصال الروحي مع من يحبون ، سيما وان المحبين في ذلك الزمان لا يمتلكون الا أحجية الدعاء والتضرع والتماس نجوى التقرب ممن يبادلهم ذات الاحساس والكلمة كانت هي المهاد وهي المحرك الاساس في استقصاء ذات الهدف المنشود مع ما تمتلكه من خاصية اختراق القلب بدون استئذان لذا كان الشعر هو سيد الموقف وهو المعبر الحقيقي عن آلام اولئك المغرمين وما على الكلمات الا ان تغادر صومعة السكون الى حيث مثواها الاخير لكي تمسي آنشودة تترنم على كل لسان. وها هو التاريخ اذ يسجل للقصيدة العربية مكانتها الرفيعة في تصوير تلك الحقبة من الزمن وهي مؤطرة بهوس العواطف بل ربما تكاد ان تكون سمة ذلك العصر المسحور بالشعر الغجري المجنون وبعيون المها واضاءات اخرى قد لا تتعدى مساحة الجسد المنصب في مفاتن المرأة وسحرها الاخاذ الذي مازال الى الآن يتولاني برحمته ونحن نسترق خلسة غنج النساء وخصوصاً تلك التي تتمركز بالحركة النصف دائرية وعندما تكون المرأة مدبرة وليست مقبلة، وكل هذه الظلمات ما كان لها ان تتشكل لولا تلك الانتقالة المفاجئة، اذا انتفت الحاجة للكثير من المعاني الشفافة ولم يعد لسهر الليل معنى ونحن نقارب اجهزة النقال والكمبيوتر المحمول حيث يصل اليك من تحب برمشة عين. ولم يعد للجنون مسوغ وليس هناك من يستحق الموت او الجنون وليست هناك مشاعر حقيقية تستحق الاحترام في ظل تراكم خبرات المحبين الجدد وهم منشغلون في احياء سنن الالكترونيات المعاصرة من قبيل المسجات والدردشة، وعند ذلك كان لابد ان تهيم الكلمات بسحر قوافيها واوزانها غير المفعلة في هواجس من وقع عليهم الاختيار لخوض تلك التجربة وهي تجربة العشق الحضاري حيث لا مكان يذكر لتلك المعاني الشعرية فليس هناك من نار تضطرم في قلوب من يحبون ولا يوجد مكان للسهر وليس هناك من نوبة للهذيان ففي كل ساعة حبيب وفي كل مدينة قصة من قصص الغرام وما بين المساء والصباح ثمة متغيرات جديدة في استراتيجية العاشقين والعلة بالتأكيد في طبيعة السلوك الانساني المنصب باتجاه ترقية مساحة الجسد على الحفاظ على القيم الحسية والانسانية.