منذ تخطّت الطفولة. منذ صارت استدارتها لافتة للنظر. شدّدوا الحراسة عليها. لا تتحرّك إلا بمرافقتهم. لا تلمس عشب الأرض إلا إذا لمسته أقدامهم. يهربون بها من الآخرين. من الغرباء. من العيون المحدّقة، والهامات المتقدّمة نحوهم ونحوها. أنا لم أعذرهم. لم أرِحْهم. قرّرت تحدّيهم وانتزاعها منهم. تعمّدت التحديق إليها بعينين وقحتين. تعمّدت التقدّم والاقتحام. طالما أغراني لمعانها. عذريّتها. خفرها. صمتها الحيادي. لم أسترح أو أرتدّ عمّا في بالي. في ساحة الرقص كوّنوا حلقة حولها. سرعان ما تحوّل إلى سور. لم أخف من اقتحامه. لكنّي فكّرت قليلاً. لن أستطيع اقتحامه. سأحاول ضعضعته. تفريق السواعد المتكاتفة. اهتزازها المخفيّ عن بصري زادني عزماً وشوقاً. ارتفعت الموسيقى وفقدت الأجساد سيطرتها على نفسها. فقدت صوابها. فقد السور تماسكه رويداً رويداً. خلّفوها وحيدة لثانية، كانت كافية كي أتقدّم وأجذبها إليّ وأسيطر عليها. انفردت بها. صارت لي. تقدّمت بها إلى الشِباك التي تنتظرها. الشباك التي طالما حلمتُ أن أوقعها فيها. أزهرت الأحلام دفعةً واحدة في خيالي. سأصبح نجماً إن نلت منها. سيصفّق كثيرون وينطّون فرحاً. سأكون البطل. هذه فرصتي. كدت أفعلها. استجمعت قوّتي ولياقتي البدنية التي أدّخرها لهذه اللحظة. هتف كثيرون لي مشجّعين، وطلب آخرون استعارتها لبعض الوقت. لكن! لا وقت. صوّبت قدمي وقبل أن أصيح منتصراً باغتتني صفّارة. ارتفعت الراية ذات المربّعات الملوّنة. صاح حكم الراية: "تسلّل". ارتميت على الأرض واقتلعت عشب الملعب حسرةً.