حزام الأمان يحمي مستخدمي المركبات من الإصابات بنسبة «40 %» لطالما نظرنا إلى قضية السلامة على الطرق على أنها لا تعدو أن تكون قضية مرور ومواصلات، ولا تتجاوز هذا النطاق لتصبح واحدة من قضايا الصحة العامة، وبهذا المنظور اتخذ لفظ “حوادث” للتعبير عن الإصابات الناجمة عن حركة المرور دون اضطلاع ببذل الجهود المأمولة حيال هذه الإصابات بأبعادها المختلفة والوقاية منها على غرار السعي الحثيث لاستئصال شأفة الأمراض التي لا تقل عنها ضرراً. وللأسف لا يحسب لحوادث الطرق والحوادث المرورية الكثيرون حساباً في مشهد يومي يبدو متزايداً في اليمن، متصدرة فيهما قائمة الكوارث البشرية المحدثة للوفيات والإصابات والإعاقات المختلفة. فهذا دأب من حاد عن اليقظة والتركيز على الطريق أثناء القيادة واختار السرعة، غير آخذ بالاعتبار آداب وقواعد المرور. بهذا القدر نترك التفاصيل للدكتور أوسان غازي إسماعيل مدير البرنامج الوطني للوقاية من الإصابة والعنف بقطاع السكان وزارة الصحة، في اللقاء الذي جمعنا به، فإلى ما ذكره حول هذا الموضوع. أرقام حية قضية الحوادث على الطرق شائكة ويشوبها الكثير من التعقيد.. ما تقييمكم للمشكلة ودواعيها على الصعيدين المحلي والعالمي؟ وفقاً لإحصاءات منسوبة إلى منظمة الصحة العالمية، بلغت الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق في مطلع الألفية الثالثة حول العالم “1.18مليون حالة وفاة، ومعها “5ملايين” حالة إعاقة وعجز دائم. ومن المتوقع أن تتصدر حوادث الطرق المرتبة الثالثة في قائمة منظمة الصحة العالمية للأسباب الرئيسية للأمراض والإصابات في العالم عام 2010م بدلاً من المرتبة التاسعة التي احتلتها في عام 1990م. وفي اليمن تشير إحصاءات الإدارة العامة للمرور بأن حوادث الطرق خلفت “24.009”أربعة وعشرين ألفاً وتسع حالات وفاة، و”157.952” مائة وسبعة وخمسين ألفاً وتسعمائة واثنين وخمسين حالة إصابة في الفترة من “2000م 2009م”. والمتأمل لهذه الأرقام المخيفة لا شك سيدرك خطورة المشكلة وحجم الآلام والمعاناة التي تسببها وفداحة الخسائر على مختلف الأصعدة صحياً واقتصادياً واجتماعياً. أما عن مسببات الحوادث على الطرقات فقد اتفق خبراء الصحة العامة على أنها ترتكز على ثلاث محاور رئيسية شملت “الإنسان الطرق المركبة”، وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة كل منها يسهم في الحادث، ولكن يظل العامل البشري المحور الأصعب والأبرز بين هذه المسببات، لذلك هو المعني بالوقاية من الحوادث على الطرقات. مكمن الخلل أين يكمن الخلل في تصعيد مشكلة حوادث الطرق وازدياد حوادث الطرق وازدياد حجم الإصابات والوفيات؟ لا شك أن أكثر الناس تسبباً بحوادث الطرق، المخلون والمتهاونون بقواعد السلامة والمرور. وعلى ما يبدو نجد الذكور في اليمن أكثر عرضة للحوادث من الإناث، لكثرة خروجهم إلى الشوارع قاصدين أعمالهم أو لقضاء حوائجهم ولما يلزم عليهم أداؤه من مسئوليات. كما أن الأطفال تحديداً معرضون بشكل كبير لهذه الحوادث، ويعزى هذا إلى عدم اكتمال نمو الإدراك وضعف مقدرتهم على معرفة مكامن الخطر وما يجب التقيد به عند قطع الطريق لدى خروجهم إلى الشوارع أو ذهابهم وإيابهم من وإلى المدرسة أو عندما يتخذون الشوارع متنفساً للهو واللعب. والأسوأ ما يقدم عليه بعض السائقين من تصرف لا مسئول عند إقدامه على احتضان أطفاله الصغار أثناء القيادة، فيقود باليد اليمنى ويحتضن أحد أطفاله بيده اليسرى، مما يربك السائق ويشغله عن التركيز على الطريق. وهذا التصرف المخل تقابله تجاوزات الدرجات النارية واندفاعها المفاجئ أمام السيارات ومع أنها وسيلة سريعة وسهلة للتنقل، إلا أنها بهذا الجنون ومع السرعة الزائدة تُعد وسيلة سهلة لقتل سائقيها وراكبيها عند الحوادث التي تسفر غالباً عن إصابات بالغة في الرأس وكسور في عظمة الفخذ وغيرها من الإصابات غير المحمودة العواقب. في حين أن المتأمل للصورة والناس يملئون الشوارع والأسواق، مشاة وراكبي سيارات ووسائل مواصلات أخرى كالباصات والشاحنات والدراجات النارية، سيجد كلا منشغلاً في شأنه وعلى عجلة من أمره، ومن بينهم من شرد به التفكير عن الطريق وما فيه من مخاطر قاتلة. وبذلك يمكن استنتاج العديد من عوامل الخطورة المؤدية إلى تصعيد الحوادث على الطرقات وما ينتج عنها من وفيات كثيرة ومراضى وإصابات وكسور بالغة، ما جعلت منه أيضاً بسبب ما يقع البعض فيه من أخطاء مرورية فادحة مناسبة لزيادة معدل الحوادث المرورية للمشاة وبين السيارات والمركبات المختلفة. ومن أبرز هذه العوامل: 1 السرعة وعدم التروي. 2 تشتت ذهن السائق وانعدام تركيزه أثناء القيادة. 3 فقدان المشاة التركيز عند العبور، وتجاهلهم وسائل الأمان وعدم التزامهم بآداب وقواعد المرور. 4 ازدحام السيارات على الطرق السريعة بين المحافظات. هذا بالإضافة إلى النتيجة الرئيسية لكل هذه العوامل، وهي عدم انتباه السائق عند قيادته المركبة وعدم ربطه حزام الأمان أو انشغاله بالكلام بهاتفه أثناء القيادة وتجاهله لقواعد السلامة على الطرق. مقومات السلامة ماذا عن مقومات الوقاية والسلامة المرورية في الحد أو التخفيف من الحوادث المؤدية وكيف تترجمها في الواقع؟ عند حديثنا عن الحوادث على الطريق مستعرضين نماذج من الأخطاء التي يقع فيها السائقون والمشاة على السواء، يقود بنا الحديث إلى الغاية الأسمى وهي السلامة على الطرق التي آن لنا أن نستشعر أهميتها ونطبقها كما يجب في حياتنا باعتبارها وسيلتنا لتحقيق الوقاية والحماية الكاملة من إصابات حوادث عبر ثلاث مستويات مختلفة لا بد من توافرها: المستوى الأول: الوقاية بهدف الحد من الإصابات والوفيات قبل وقوع الحادث. المستوى الثاني: الاهتمام بتقليل الإصابات والوفيات في الساعة الأولى عقب الحادث، عبر تقديم خدمات الإسعافات العاجلة في موقع الحادث ونقل المصابين بشكل سليم إلى أقرب مرفق صحي. المستوى الثالث: عملية إعادة تأهيل المصابين بدنياً ونفسياً بسبب الحوادث على الطرق وإعادة دمجهم في المجتمع. غير أن المستوى الأول المتمثل في الوقاية وتجنب الحوادث قبل وقوعها يظل المرتكز الأساسي لخفض عدد حالات الوفاة والإصابات الناجمة عن حوادث الطرقات. وتعتمد الوقاية الأولية على مبدأ تغيير السلوكيات والعادات التي تتنافى مع قواعد السلامة على الطريق، وتشجيع تطبيق سائقي المركبات والمشاة على السواء للممارسات الحسنة، ولا يتأتى ذلك إلا عبر عملية التوعية والتثقيف الصحي ومن خلال التوعية المرورية عبر الصحف والمطبوعات والملصقات، والتوعية الجماهيرية عبر قنوات التلفزيون والإذاعات، للخروج بالمعرفة اللازمة وتطبيقها عملياً بالشكل الذي يكفل للجميع السلامة المرورية. أضف ضرورة تحلي السائقين والمارة على السواء بالصبر وتطبيق السلوكيات الحسنة والآمنة للمارة عند السير أو الوقوف على الطريق، وكذلك التروي وتخفيف السرعة أثناء قيادة السيارة أو الدراجة النارية أو أي من المركبات الأخرى للنجاة من الحوادث الكارثية. نصائح ثمينة ما فحوى النصائح التي تتوجه بها للقارئ وبالأخص للذين يقودون السيارات والمركبات؟ أتوجه بالنصح لمن يستخدم هاتفه الخلوي أثناء القيادة ولمن لا يربط حزام الأمان ومن اعتاد الخروج بسيارته بصحبة أطفاله للنزهة، منشغلاً بحملهم أو مداعبتهم أثناء القيادة، أقول له: حاذر على نفسك وارفق بها وبالآخرين، ولا تنشغل بغير الطريق، ولك فيه وأنت تقود مركبتك سماع ما تيسر من القرآن الكريم أو تلاوة ما تحفظ من سوره، فليس المهم وصولك سريعاً إلى المنزل أو العمل طالما الحل في السرعة لتصل في الموعد، وإنما الأهم عودتك سالماً إلى أهلك وأحبائك، ولئن وصلت إليهم متأخراً خير لك من الذهاب إلى أقسام الطوارىء وغرف العمليات بالمستشفيات محمولاً أو تحمل الجرحى المصابين المضرجين بدمائهم. انوه إلى أهمية استخدام حزام الأمان فله العديد من الفوائد التي ليس علينا تضييعها، فهو يعمل على تثبيت جسم الإنسان بالمقعد ويجعل قائد المركبة أكثر سيطرة أثناء القيادة، ويجنب خروج الجسم أو جزء منه خارجها، وكذا يعمل على حماية الجسم خصوصاً الرأس والصدر من الارتطام بأي جزء من المركبة، ويوفر حماية لمستخدميه من تلقي إصابات من أو أبواب المقاعد الخلفية بنسبة تصل إلى “40 %”، لافتاً إلى عدم ملائمة أحزمة الأمان في المقاعد الأمامية للأطفال وقصار القامة بسبب الضرر الذي يمكن أن تتسبب به الأكياس الهوائية التي تنتفخ حال وقوع حادث بالنسبة للسيارات المزودة بهذا النوع من وسائل الحماية. ولذا ينصح بتخصيص المقاعد الخلفية لهم، ويستحسن وجود مقاعد مخصصة للأطفال الصغار مزودة بأحزمة أمان تلائمهم. واشدد أيضاً على أهمية تجنب القيادة في حالات النعاس عند عدم نيل القدر الكافي من النوم، أو لدى الشعور بالإرهاق وعدم التركيز، أو تحت تأثير بعض الأدوية كبعض أدوية السعال والحساسية التي يمكن أن تسبب النعاس أثناء القيادة. كما يتعين كذلك على سائقي الدراجات النارية والهوائية استخدام وسائل الحماية التي تقيهم إصابات الرأس وأهمها خوذ الحماية تلافياً لما يحمد عقباه من إصابات بالغة بالرأس قد يكلف البعض حياته. إلى جانب ضرورة ارتداء خوذات الرأس عند قيادة الدراجات البخارية والهوائية المختلفة في التقليل تلافياً لوقوع إصابات الرأس الخطيرة، وكذا الوفيات عند وقوع الحوادث. ومن المهم في الختام تحسين البنية الأساسية للطرق وشق وتعبيد الطرق بمواصفات ومعايير تحقق الآمان للمشاة وركاب الدرجات الهوائية، بل ولسائقي السيارات والمركبات المختلفة أيضاً. ويدخل في هذا الإطار بناء أرصفة مناسبة وأماكن واضحة لعبور المشاة والإقلال من الحوادث خلال الرقابة المرورية الصارمة على سير السيارات من خلال التقنيات المناسبة مع إزالة كافة المطبات العشوائية التي يشكل جلها شوكة على خاصرة الكثير من السائقين.