تعد الصناعات الحرفية التقليدية اليدوية، والشعبية واحدة من أهم المهن والأعمال التي تتوارثها الأجيال، ومحط اهتمام تعمل خلاله الدول جاهدة للحفاظ عليها؛ باعتبارها إحدى القطاعات الاقتصادية الهامة، وجزءا من التكوين والنسيج الاجتماعي للشعوب، فضلا عن كونها جزءا من الهوية الوطنية الثقافية التي تعكس أصالة وعبق التاريخ .حرف ريفية وحضرية ويمكن تقسيم الحرف اليدوية اليمنية إلى نمطين، باعتبار مكان صياغتها وحياكتها، حيث نميز بين الحرف اليدوية في المناطق الريفية، وبين الحرف اليدوية في المدن . وتعد أسواق صنعاء القديمة من أشهر الأسواق للصناعات الحرفية اليمنية؛ فهي تضم كل الصناعات التي اشتهر بها الإنسان اليمني على مر العصور، موزعة على تلك الأسواق المختلفة، والعجيبة التي تتكون من الدكاكين الصغيرة المتلاصقة في الأزقة الضيقة، التي تجذب إيقاعاتها المختلفة والممزوجة ببعضها البعض.. تجذب الزائر ليكتشف عبقرية الإنسان اليمني، ويشاهد أنواعا متعددة من الصناعات الحرفية التي تعكس مهارة صانعيها . سوق الملح - هو أكبر وأشهر سوق شعبي في صنعاء القديمة؛ حيث لا يزال حتى اللحظة يمثل معلما سياحيا، ومقصدا هاما من المقاصد السياحية التي يحرص الزوار الوافدون على زيارته؛ باعتباره شاهدا تاريخيا حيث يوثق الكثير من الصناعات الحرفية التي اشتهر بها الإنسان اليمني منذ القدم، كصناعة العقيق اليماني، والصناعات الخشبية المزخرفة، والفضيات بجميع أنواعها والصناعات النحاسية، إضافة الى صناعة الجنابي، والمعدات الزراعية التقليدية وغيرها من الصناعات التي تشكل لوحة فنية بديعة الجمال . "صنعاء" متحف الحرف التقليدية فريق متخصص من الهيئة العامة للآثار، والمتاحف كان قد أجرى عملية مسح، وتوثيق للحرف، والفنون اليدوية التقليدية في صنعاء القديمة، بتمويل من وحدة التراث بالصندوق الاجتماعي للتنمية . وحول أبرز نتائج هذا المسح، والمنهجية التى استخدمها الفريق العامل وعن الهدف من إجراء مثل هذه المسوحات توضح الأستاذة أمة الباري العاضي - نائب مدير عام الدراسات بالهيئة العامة للآثار - رئيسة الفريق الوطني الذي تولى عملية المسح، والتوثيق للحرف، والفنون اليدوية التقليدية في صنعاء القديمة قائلة: إن الفريق قد استخدم في عملية مسح، وتوثيق الحرف التقليدية في أسواق صنعاء القديمة "منهج الدراسة الميدانية التاريخية"، والذي مر عبر عدة مراحل . وحسب العاضي، فإن أولى مراحل المسح هي المرحلة الاستطلاعية، وما تضمنته من مسح أولي للأسواق، وتحديد الحرف محل الدراسة، ثم مرحلة تجميع المراجع البيبلوغرافية، تلتها مرحلة تنفيذ حلقة نقاش بالاعتماد على مجموعة من المتدربين، والمتدربات بجانب الفريق الوطني ، ثم مرحلة النزول المكثف، والشامل، والتي تم فيها تصنيف العمل الميداني إلى نوعين، أولهما المسح الميداني الشامل للسوق، وثانيهما توثيق كل ما يتم العثور عليه من منتجات حرفية . مشيرة إلى ما رافق هذه المراحل من عمليات كالتصوير الرقمي ،والفتوغرافي، وتسجيل لقاءات ميدانية، فضلا عن تسجيل المؤثرات الصوتية، واستخدام نظام تحديد المواقع العالمى G P S، وإدخال تلك البيانات بواسطة نظام G I S "قاعدة البيانات الجغرافية الرقمية الأحدث عالمياً، لافتة إلى أن هذا العمل يعد ثاني تجربة للصندوق بعد عمل مشروع مسح، وتوثيق الحرف اليدوية في جزيرة سقطرى . خطر التقليد والاندثار إلا أن ثمة خطرا داهما يهدد واقع، ومستقبل هذه الصناعات الحرفية التقليدية، ويزج بها في تحولات عميقة، تطال جذورها، ويتمثل في الاستيراد المستمر للسلع الخارجية المصنعة ميكانيكياً، والمقلدة للصناعات الحرفية الأصيلة، وفي مقدمها خطر "صنع في الصين". ويؤكد عدد من الباحثين في مجالات الصناعات الحرفية التقليدية أن هذه الصناعات تواجه اليوم جملة من الصعوبات، والمعوقات التي تحول دون تنميتها، بل قد تؤدي إلى عدم استمرارها، ومسخ هويتها الثقافية، وفي مقدمة ذلك الغزو الحرفي للصناعات الحرفية الخارجية التي تتصف برخص ثمنها مقارنة بسعر الحرف التقليدية المحلية . وفي هذا الاتجاه توضح الأخت أمة الرزاق جحاف "باحثة متخصصة في مجال الحرف اليدوية بالقول: إن الصناعات الحرفية في اليمن الآن تدق جرس الخطر، وتعلن عن وضع سيئ، يتدهور يوما بعد يوم، وإذا استمر الحال بهذا الشكل فسنجد أنفسنا بعد عدة سنوات قليلة نفتقر إلى كثير من هذه الحرف لتصبح جزءا من الماضي الذي نحن إليه . وتضيف جحاف: إن الصعوبات التي تواجه الصناعات الحرفية صعوبات كثيرة منها الإهمال، حيث إن الحرفيين لا يحظون بأي مزايا تتيح لهم الحصول على المواد الخام، أو تعفيهم من الضرائب، ولكنهم يتركون بلا حماية أمام ضغط المستورد الخارجي؛ حيث إن سوق الحرف التقليدية مليء بالبضائع المستوردة من الهند، والصين، وهو ما يدخل الصناعات الحرفية المحلية في منافسة شديدة . وتؤكد الباحثة المتخصصة ضرورة توفير الإمكانيات المادية، وتوفير الحماية القانونية للحرفيين، وحرفهم ، وإيجاد آلية تساعدهم على الاستمرار في مهنتهم، كمساعدتهم بالحصول على المواد الخام اللازمة لإنتاجهم، وإيجاد مناهج تدريب متخصصة، تعتمد على مرجعية علمية؛ لما لذلك من أثر بالغ في الحفاظ على الطابع التجديدي للحرفة . دعوات للمقاطعة على ذات الصعيد ثمة دعوات ملحة إلى ضرورة إيقاف هذا السيل المتدفق إلى أسواقنا من السلع التي تهدد جانبا من هويتنا وثقافتنا التقليدية؛ بهدف حماية الصناعة الحرفية الوطنية من خطر التقليد والاندثار . عضو مجلس إدارة الجمعية اليمنية لتشجيع الإنتاج المحلي أحمد سالم شماخ، دعا الجهات المختصة في الحكومة، والقطاع الخاص إلى حماية الصناعات التقليدية المحلية من الحرب الشعواء التي تشن ضدها، وتهدد وجودها، ويقف وراءها مجموعة من التجار، والباحثين عن الربح، والثراء السريع ، حسب وصفه . واعتبر أحمد سالم شماخ أن الصناعات التقليدية اليمنية تتعرض حاليا لحرب شعواء ممن وصفهم بضعاف النفوس من التجار المحليين، ومن والاهم من القطاعات الصناعية، والجهات الحكومية في تجارة الصناعات الصينية .. محذرا من الآثار الجانبية الخطيرة على الوضع الداخلي، وأثر ذلك على حياة المستهلك، معتبرا ذلك خطرا لا يقل في حدته وآثاره عن خطر أي فتنة أخرى . وطالب شماخ الجهات المسئولة والمعنية في الحكومة بضرورة وضع حجر صحي للوطن من هذه التجارة، والصناعات المقلدة، والمستوردة من الصين، والتي تدخل البلد دون رقيب، أو حسيب داعيا المواطنين إلى مقاطعة مثل هذه المنتجات، ومن يتاجرون بها.. لافتا إلى دور خطباء المساجد، وعلماء الدين إزاء هذه القضية الجوهرية، وأهمية دورهم في التحذير من هذه الممارسات التجارية، والصناعات التي فيها ما يمس حياة المواطن، حسب تعبيره . أطروحات حرفيين ولمزيد من إدراك واقع، ومستقبل هذه الصناعات الحرفية اليمنية الأثرية، كانت ل" الجمهورية" جولة في أسواق صنعاء القديمة رصدت خلالها عدد آراء وأطروحات عدد من الحرفيين . جمال مهدي، وهو حرفي صائغ فضة أكد بقوله: تعلمنا، ودرسنا عن معلمين أباً عن جد، درسنا منهم صناعة المصوغات الفضية، ولكننا الآن في الوقت الحالي اتخذناها كمهنة، تساعدنا على المعيشة.. مشيرا إلى كفاءة المعلمين، وأن المشكلة الرئيسية تتمثل في تدني مستوى التقنيات، والإمكانيات، والتي من شأنها أن تدفع بالفرد لأن يطور مهنته . فيما يذكر صلاح مقبل – نجار ونحات أخشاب قائلا: إن صنعاء القديمة فيها مهن، وحرف تقليدية عديدة، ففيها نجارة، وفيها حدادة، وفيها مصنوعات جلدية، وفيها النحت على الخشب.. مؤكدا أنها تعد مركزا يشتمل على عدة، وعدة معامل لتعليم هذه المهن مدعومة بجهود من الدولة، حسب تعبيره . ويبقى من المهم جدا التأكيد على أن ثمة نوعا من الإجماع قد برز ، أكد فيه الحرفيون وأصحاب الصناعات التقليدية، أن خطراً داهما ومستمرا، تواجهه حرفهم، ومهنهم التقليدية، ويتمثل في الصناعات المقلدة، والمستورة، وخصوصا من دولة الصين.. مشددين على أنه إذا ما توفرت لهم الإمكانيات، والدعم المالي اللازم كمكننة الصناعات، وتوفير المواد الخام، لاستطاعت الصناعات الحرفية الوطنية الحفاظ على مركزها العالمي، والتنافسي والوقوف في وجه الصناعات المستوردة التي تغزو الأسواق .