تضرعت “للريمي” خادم الإمام المؤتمن: - أقبل يديك وأبوس رجلك أن تُدخل طفلي هذا ليقرأ الإمام عليه الفاتحة.... عسى أن يعيش لي فقد مات علي أطفال كثر... نظر إليها... امرأة كغيرها من النساء اللواتي يترددن على بوابة قصر الإمام يطلبن دعاءه وقراءة القرآن على أبنائهن الرضع. قدمتْ له خمسة ريالات فضية... أخذها وأخذ الطفل الرضيع بين يديه... تمتم وهو متجه نحو الإمام قائلاً لنفسه: “المبلغ كبير... وسيقرأ مولانا عليه الفاتحة قراءة حارة دون شك ويزيد عليه من البصق أيضاً”. دخل على الإمام وانحنى على ركبتيه وقبلهما... كان الإمام كعادته يداوم في فناء القصر مع كتبته الجالسين حوله القرفصاء... يجيبون على تظلمات الرعية ويحررون الرسائل والأوراق المختلفة. والإمام يمضي بقلمه عليها ويضع ختمه “الشريف” ذا الحبر الأحمر زيادة للأهمية... نظر الإمام نحو خادمه وسأله: - هل هناك رعايا في الخارج؟!. انحني الخادم نحو أذن الإمام هامساً: - إنهم هم... كالعادة منذ العام الماضي يا مولاي!. تململ الإمام فوق كرسيه الخشبي ثم قال متسائلاً: - وما هذا بين يديك?!. - عفواً يا مولاي ... هذا طفل “مخلوق” تريد أمه أن تقرأوا عليه ما تيسر من القرآن العظيم وأن تدعوا له بالصلاح. تململ الإمام على كرسيه ثم قال: - وماذا يا حمار!؟. - خمسة ريالات فضية يا مولاي. تهلل وجه الإمام بالفرحة وبدأ يقرأ بعضاً من آيات القرآن ثم بصق على الطفل كنوع من البركة... وكالعادة أخذ المال وذهب الخادم في حال سبيله ومعه الطفل ليرجعه إلى أمه. بحث عنها كثيراً أمام باب القصر المصفد بالحديد والخشب والنحاس... وسأل الحراس الغلاظ... وزاحم “الرعايا” الذين يصيحون في الخارج والنساء المولولات... يبحث ويسأل الجميع عنها لكن دون جدوى. نظر بأسى نحو الطفل الذي بين يديه... فلم تكن هذه هي المرة الأولى التي يحدث له مثل ذلك، لكن كرم المرأة وسخاءها لم يكن متوقعاً. عاد إلى الإمام... يذرع ساحة القصر منكسر الجناح والطفل بين يديه... لمحه الإمام فتهلل وجهه وقال كعادته: - وما هذا بين يديك الآن؟. تمهل قليلاً قبل أن يجيب. - أنه يا مولاي... نفس الطفل. - ولماذا لم تعده إلى أمه أيها “البغل”؟!. صاح الإمام في وجهه فارتعدت مفاصله. - لم أجدها يا مولاي...! بحثت عنها في كل مكان دون جدوى... فأعدته إليك. غمغم الإمام وحدق خادمه بنظرة آمرة: - خذه إلى بيتك اقترب الخادم وهمس قائلاً: - كيف ذلك يا مولاي...؟! الخمسة ريالات فضة لكم وأنا لي الطفل!. انتفض الإمام من على كرسيه الخشبي كديك رومي وانتفخت أوداجه غضباً واتجه إلى داخل القصر صائحاً: - يا لك من وغد... أحمق!. حاول الخادم كالعادة إصلاح الشأن بالهروع إلى قدمي مولاه وسيده لتقبيلهما لكن الإمام رفسه بقدمه صائحاً: - عليك اللعنة... يا خبيث.