هل تعرف أنك سوف تراه قريباً هادئاً ووديعاً يكرر حركته اللانهائية كلعبة ميكانيكية، كما لو كان أحدهم قد قام بدفعه أمامك، أو أن الزمن لم يعد يمارس عليه سيطرته، سوف يحدث هذا فيما بين منطقتي «خونين» »«وسان مارتين» وسوف تنظر إليه في صمت وخنوع، ولن تستطيع أن تفعل شيئاً سوى أن تنكمش خلف مقود سيارتك «الدودج». ربما تحاول التفكير في زوجتك وأطفالك، أو تفكر في مشروع إسكان «سانتا أينيس» أو ربما تعود إلى رشدك أثناء استلقائك على أريكة الدكتور «كلاوديت» لتعيد تكرار المشهد الأسبوعي نفسه، تعرض عليه شبابك بكلمات مملة، كما لو كنت تقص عليه حكاية أحد أفلام «ليلوش». أنت تراه الآن: وأنت على وشك الوصول إلى إِشارة المرور، وهو في موعده المحدد تماماً، يعبر الشارع، أنت تعرف أن الثواني المقبلة سوف تجري بنفس الطريقة المملة التي تكررت خلال الأسابيع الأخيرة، أو بما تكررت خلال سنوات، أو قرون مضت. عندما يشعر هو بالضوء الأحمر يهبط من على الرصيف معتمداً على عصاه المثيرة للغثيان (قد تراها أحياناً كما لو كانت حية سامة) ثم يبدأ رحلة عبوره إلى الرصيف الآخر، سوف تغير إشارة المرور لونها إلى الأصفر ثم الأخضر، وإلى الأصفر مرة أخرى، لكنه سيظل يواصل رحلته دون أن يعير تعبيرات وجهك ولا آلات التنبيه التي يطلقها قائدو السيارات أي اهتمام، ثم تتحول إشارة المرور إلى الأحمر ثم إلى الأصفر، ثم إلى الأخضر، لكنه سوف يظل ملتفاً في ذكرياته. سوف يكون لديك الوقت لتفكر في زوجتك وفي مشروع الإسكان. سوف تتساءل عن سبب لقاء المصادفة المتكرر مع ذلك الصعلوك، فتفهم على الفور الذي لايرحم يضعه أمامك في كل مرة. فتفكر حينئذ في الطبيب النفسي «كلاوديت» تفكر في أريكته القائمة الشبقية، وتفكر في إعجابك العميق بالدكتور «جوزيب مينجل» ونظريته النازية التي تحبذ التخلص من أي حياة عديمة الفائدة أو سلبية التوجه، وتسقط من جديد في التقاطع الذي لا مفر منه، عندما تعرف أنك المختار إجبارياً للمرور بهذه المحنة. الآن، يعتبر الصعلوك الشارع أمامك تماماً، إنه على بعد خمسة عشر متراً منك فيما عين إشارة المرور تسطع بحرارة، تقترب سيارتك من تقاطع شارعي «خونين» و«سان مارتين» تيقنك الشديد بأنك المختار للمنحة يترسخ في داخلك، لكن الافتقار إلى الحل النهائي يحول بينك وبين الاستسلام للأمر، وتعرف أن ما ينقصك هو أن تسيطر عليك حالة من الفتور واللامبالاة الشديدة أن تشعر بتلك الحالة أولاً في جبينك، بتعد ذلك تشعر بها في وجنتيك، ثم تنتشر بامتداد الصدر، والبطن حتى تصل إلى العضلات إلى أن تنتهي إلى القدم اليمنى، فتجعلها أكثر ثقلاً، أكثر قوة، وتمنحها الاستقلال التام عن الساق، لتضغط دواسة السرعة بأقصى قوة عندما تتحول عين إشارة المرور إلى اللون الأخضر، ويكون الصعلوك لايزال يعبر الشارع، ولم يصل بعد إلى الرصيف المقابل. بعد هذا يصبح كل شيء بسيطاً، سوف تهبط من سيارتك عندما يتجمع الناس حول الجسد المسجي والعصا القذرة، تتنفس بكامل رئتيك كما لو كنت قد تخلصت من عبء كبير وبعد أن تتفحص مقدمة السيارة، تسأل نفسك كيف يمكن إزالة بقع الدماء القذرة عنها، ما الذي يمكن أن يزيلها دون أن تترك أثراً يذكرك بهذا الحادث الشاذ..؟ استيقظ المعماري «خوستو ثانيجا» مصاباً بصداع الرأس المعتاد، وتبدو على ملامح وجهه سنواته الأربعون، نزع عن نفسه ملابس النوم المبللة بالعرق، واتجه إلى الحمام على عجل، وهو يفكر في زوجته «أنا» التي قد تبدو في هذه اللحظات نظيفة وجذابة، تعد له طعام الإفطار، لكن برودة الماء النافذة من الجسد نزعت عنه بقايا الكابوس الذي كان غارقاً فيه قبل قليل، واستعد لمواجهة أعمال اليوم الاعتيادية، لكن ما إن عاد إلى غرفة النوم حتى حدث ما لم يكن متوقعاً، حدث ذلك في اللحظة التي كان يبحث فيها عن قميص، فيما كانت زوجته «أنا» تدعوه لتناول الإفطار. شعر فجأة أنه يرغبها، لكن هذه الرغبة تحولت إلى فتور مفاجئ كما لو كان متردداً في اتخاذ قراره ثم شعر بعد ذلك بتجمع الرغبة بقوة وحدة حتى أنها غيرت كل ما مرّ به قبل قليل، فعرف عندها أنه ليس من المستحيل أن يحصل على ما انتظره لفترة طويلة. هبط إلى المطبخ سعيداً، وتناول طعام الإفطار البسيط، ثم قبّل زوجته وطفليه، واتجه إلى سيارته، وما إن أدار المحرك، حتى شعر أن سوف يصل إلى عمله دون أدنى عائق، فقد كان على موعد هام موعد يؤكد على أنه رجل ناجح، ويخلصه نهائياً من أريكة الطبيب النفساني «كلاوديت» فقد شعر أن الرغبة تنتشر بحدة في كامل رئتيه.