انتصبت عقارب الساعة تعلنُ الانحدار، ثم أوقف رنينها الحركة الراسية فتنعكس.. قوالب تحمل نوعاً من المكسراتِ المُسممة فتُقدمه عاهرة المدينة السياحية هدية لأطفال المستقبل. حين أجمع الكل بالفرار كانت الرياح قد أعلنت دوامة الخطر.. وقفتْ أبحث عما ترصده الأحوال الجوية من ارتفاع شديد لرياح محملة بالأتربة مصحوبة بإعصارٍ شديد.. يحذر الصيادين الحذر من الأعاصير. تعالت الصيحات من خلفِ نوافذٍ تتشقق بعد أن أصبحت الستائر تُحلق بعيداً عن القرية حين حضر الإزعاج وإثارة ضوضاء بين البشر.. جعل الخوف يقيد مفاصلهَم, والجوع يهدم أجسادهم.. تحاصر هذا البلد رجعية بليدة لا تطور الإنسان ليصبح يحمل المَركز الصفر بين دول العالم. أقبل يسير بين جلباب أسود وراءه كلب يلهثْ.. يفتح أمامه خارطة صباحية وجنود من بشر أمّنوا له العيش على حساب مواطنين آخرين ينامون بالعراءِ.. فيتكالبون علية دائرة مغلقة.. حُشُد بشرية يتسممون وهم يبتسمون بجبين من القبحِ لا تعرف أسفلهُم من أعلاهُم. وضع البشر المسخرين أيديهم فبل أن ينتقل الصوت إليهم ليخرج من دبره صوت مزعج، وحتى لا يجدون مزيداً من القصم نحو الطريق إلى الموت. لكنه كان يسرع سرعة شديدة هذه المرة.. مُمُسكٌ سكيناً حادة يرتجل بين شوارع المدينة دون أحد, يخيف الأطفال كالعادة مُنكباً برأسهِ مُغطياً نصف وجهه لثام أسود. خرج من المدينةِِ نحو اتجاه الجبل.. حدّق الى ربوة عالية يتذكر كماً هائلاً من المعاصي المكومة التي تجعل الإنسان يمارس الجريمة دون خوف.. ليحكم عليه حَد الحرابة والقتل..وصل قمة الجبل ولج غرفة صغيرة كان يفر إليها في أشدِ الحالات يدرس مُخططه في القضاء على أفقر البشر ليرسل دوامته الدموية.. ودوامة أخرى ترفع معدلات أرباح الأسواق السوداء. في الغرفة الصغيرة سرير قديم وطاولة صغيرة تحمل براد ماء متعرج.. ولحاف من أوراق البنكنوت.. خلع معطفه، كتب وصيته وتذكار صغير يضعهما بين سلة صغيرة تحتوي على جميعِ مذكراته اليومية.. يوجهها إلى عامة البشر وخصوصاً الفقراء.. ترك القلم. ونهض مُمسكاً سكيناً بقوة يقربها نحو بطنه.. على تواضع يخبء فيه خشيته...يغطي على عينيه أنين بخار العالم ثم قرأ عنوان آخر رواية كان بطلها زعيم عربي ديكتاتوري. مسك بقفاز إحدى سماسرة البورصة حين مات مقتولاً قبل أن يعد ممتلكاته.. مازح معطفه كي لا يعلم الحقيقة الذي سوف تخسره صديقٍاً حميماً. شاهد «الإبريق» قطرات الدم تنحدر رويداً.. فسقط الأرض مصروعاً بقفاه مهنئاً جميع الفقراء بمساواة واحدة بين عامة البشر..فتح عينيه تاركاً السكين تتعلق في جلدهِ الخارجي بعد أن هشّمت الطبقة الأولى منه. يدور رأسه نحو الصوت لم يشاهد غير «الإبريق» يتراقص فركله مرة واحدة خارجاً من النافذة وهو يقول «وداعا أيها الحقير المزعج أنت هكذا كصاحبك».. ثم عاود السكين في ذاتِ المكان بعد أن قال «لا حاجة لي لأمثالك».. بعد أن كاد يسقط أحس بحركات السير سرعان ما أسرع بوضع قدمه ليسُد على فم السرير وأخرى على فم الطاولة. شتم نفسه, راح يلعن المادة والحياة معاً.. يتذكر جميع الكوارث والأشرار الذي زرعت بالبشر ممن في خارطة الشرود, والتسكع, ورفع الكفوف حين جعل بينهم حروباً إنسانية، وكوارث مجتمعية.. من أجل اختلاف أقرب من أحذيتهم وسياسات فاشلة. سقط ميتاً دون أن يسعفه أحد.. هبّت ريح طيبة تحمل جنة السرور على جميع أرجاء العالم.. ومطر غسل دنس الأشرار.. غمرت الفرحة جميع وجوه الأطفال.. عادت الحركة الهادئة على المدن.. وخرج جميع البشر من دائرة مغلقة ضوّت النفوس. وحسب تصريح أطفال الحارات ونسائها أن الطاولة, والسرير هما من وزعا دمه عل جميع فقراء الكرة الأرضية.