قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    18 محافظة على موعد مع الأمطار خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للأرصاد والإنذار المبكر    خطر يتهدد مستقبل اليمن: تصاعد «مخيف» لمؤشرات الأطفال خارج المدرسة    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    رواية حوثية مريبة حول ''مجزرة البئر'' في تعز (أسماء الضحايا)    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    اسباب اعتقال ميليشيا الحوثي للناشط "العراسي" وصلتهم باتفاقية سرية للتبادل التجاري مع إسرائيل    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    جامعي تعزّي: استقلال الجنوب مشروع صغير وثروة الجنوب لكل اليمنيين    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    ما الذي يتذكره الجنوبيون عن تاريخ المجرم الهالك "حميد القشيبي"    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    الزندان أحرق أرشيف "شرطة كريتر" لأن ملفاتها تحوي مخازيه ومجونه    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    اعتراف أمريكي جريء يفضح المسرحية: هذا ما يجري بيننا وبين الحوثيين!!    تشيلسي ينجو من الهزيمة بتعادل ثمين امام استون فيلا    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    الشيخ الأحمر: أكرمه الأمير سلطان فجازى المملكة بتخريب التعليم السعودي    إصابة شخصين برصاص مليشيا الحوثي في محافظة إب    قبل شراء سلام زائف.. يجب حصول محافظات النفط على 50% من قيمة الإنتاج    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    أسفر عن مقتل وإصابة 6 يمنيين.. اليمن يدين قصف حقل للغاز في كردستان العراق    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللغة اليمنية في القرآن الكريم (3)
نشر في الجمهورية يوم 27 - 06 - 2012

لقد كان من الخطأ الجسيم أن يتم الاقتصار على أخذ مادة اللغة العربية فقط عن أهل الصحراء من الأعراب وإهمال غيرهم من أهل المدن وخاصة المجاورة. ذلك أن مادة اللغة البدوية والصحراوية وألفاظها لا تكاد تخرج عن مجالات الخيمة والصحراء والإبل والخيل والغنم والرعي وما ارتبط بها. وتجنبوا أهل المدن والحضارة وما ارتبط بها من ألفاظ العمران والبناء والقراءة والكتابة والتجارة والصناعة والسدود والزراعة والاستقرار والنهضة والجيوش والدولة والدواوين والتاريخ وكل ما ارتبط بالحياة العامة للمدن. كما لا يعلم أهل الصحراء بلغة أهل السواحل الساكنين جوار البحار وما تتطلبه تلك البيئة البحرية من ألفاظ مناسبة مع محيطهم، ونفس الشيء ينطبق على سكان المناطق الجبلية.
وعمد اللغويون وممن أخذوا عنهم من أهل البادية إلى تفسير كل لفظ ومادة لغوية غير بدوية وإخضاعها لألفاظهم ومصطلحاتهم ومعانيها وتفسيرها على الناقة والصحراء وما ارتبطت به اعتسافاً لغير ما نطقت به في الحياة المدنية، تاركين بيئات مختلفة من الحياة العامة للشعوب والأمم كالبيئة البحرية والجبلية.ومن ذلك مثلاً تفسير اللفظ “حشك” في اللغة اليمنية كمجتمع مدني يقال “حشك الجند” بمعنى حشد وضم بعضهم إلى بعض، وكذلك شك الرجل والرجلين بحربة واحدة وجمع أشياء في مكان واحد، وتقييد الأسرى في حبل واحد يسمى حشكاً.. بينما حشك عند أهل البادية كما في لسان العرب “حشك” “الحشك شدة الدِّرَّة في الضرع، وقيل: سرعة تجمع اللبن فيه. وحشكت الناقة في ضرعها لبناً تحشكه حشكاً وحشوكاً، وهي حشوك: جمعته”(63)، فكثير من الأشياء والمعاني يعيدونها إلى الناقة وما تعلق بها.
وكذلك فسروا مادة “قرأ” مثلاً وأعادوها إلى الناقة التي صارت مضرب الأمثال ومستقى اللغة والتفسير؛ فقالوا في مادة “قرأ”: “قرأت الشيء قرآناً: جمعته وضممت بعضه إلى بعض. ومنه قولهم: ما قرأت هذه الناقة سلًى قط، وما قرأت جنيناً قط، أي لم يضطم رحمها على ولد، وأنشد:
هِجانِ اللون لم تقرأ جنينا
وقال: قال أكثر الناس معناه لم تجمع جنيناً، أي لم يضطم رحمها على الجنين”(64).
وعلى هذا السياق والمنوال ذهب اللغويون في كل الألفاظ العربية، واختلف أهل التفسير في القرآن الكريم لمثل هذه الأسباب. وجاءت الاختلافات في بعض ألفاظ القرآن الكريم التي قيل أنها ليست عربية لقياسها على مقياس لغة أهل الصحراء من القبائل الشمالية، ثم عُرِّبت قبل نزول القرآن وصارت عربية بعد القرآن...إلخ.
بل إن القرآن الكريم أشار كثيراً إلى البيئة القريبة المحيطة بمهبط الوحي والرسالة كاليمن ومصر والشام، ونحن نعلم أن كثيراً من الأمثلة في القرآن كانت تنزل تتحدث عن أهل اليمن، كما كان يفسرها الرسول - صلى الله عليه وسلم- للصحابة، وما قال عنه المفسرون والمحدثون من الصحابة والتابعين. من ذلك مثلاً لا حصراً الآيات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }(65) فقال لأبي موسى الأشعري: “هم قومك يا أبا موسى”، وفي رواية: “هم قوم هذا، وأشار إلى أبي موسى”. وكذلك {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ}(66).
{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}(67). {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}(68). {وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ}(69). {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}(70). {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ}(71). وهناك مواضع كثيرة في القرآن ورد ذكر اليمن في سياق آياتها، حتى أن القرآن الكريم سمّى سورة بكاملها لأهل اليمن وهي سورة “سبأ”. أفبعد هذا ينكر اللغويون عربية أهل اليمن ولا يستشهدون بها في مادتهم اللغوية والقرآن يستشهد بهم وببيئتهم؟!.. وهذا يدل على البعد الدلالي في الاستشهاد بالبيئة المحيطة مكاناً وزماناً وتعاملاً ولغة، وعبرة وعظة.
وفي الألفاظ السابقة (بلدة، أيكة، ذات العماد، قصر، مشيد، قرية، عروش)، هذه من الألفاظ ذات البيئة المدنية الحضرية وليست صحراوية وبيئة بدوية. والبدو يطلقون على مكان تجمع الماء (حوظ، حياظ) وترددت في أشعارهم ولغتهم، وهي عند الحضر (البرك، والسدود) وهذا النوع من العمران لم تعرفه البيئة الصحراوية.. ومن التضييق على القرآن الكريم وعلى الناس الاقتصار عن بحث معانيه في اللغة الشمالية وترك بقية اللغات، مما يحدث مشقة وعنتاً للمسلمين في فهم كثيرٍ من معاني القرآن، ويترتب عليه أحكام فقهية قد تنافي سعة وفطرة الإسلام وتضع المسلمين في حرج من أمرهم، كما بينا في بعض الأمثلة السابقة للألفاظ التي استشهدنا بها.
اللغة اليمنية واللغويون:
رغم أن بعض علماء اللغة لم يدخلوا اللغات اليمنية في التأثير على اللغة العربية أو كمصدر من مصادر اللغة العربية كاللغات الشمالية، إلا أن علماء آخرين ومنهم مُعَجِّمو المعاجم ومؤلفوها قد اعتمدوا اللغة اليمنية مصدراً من مصادر جمع مادتهم اللغوية ومنهم الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتابه “العين” على الرغم من أنه في بعض المواطن لا يقر بلغة حمير، إلا أنه تضطره بعض المواطن أيضاً للاستدلال بلغة اليمن.
كما أن ابن منظور في اللسان يستدل كثيراً من لغات اليمن، وقد أخذ هذا الأخير كثيراً من مادته اللغوية من اللغة اليمنية، وكان يسميها لغة حمير، كما كان يشير في معرض حديثه عن الألفاظ في اللغة اليمنية ويقول: “ومن لغة حمير كذا وكذا”، أو “وفي لغة أهل اليمن كذا وكذا”، وقد أخذ عمن قبله من اللغويين مثل ابن فارس، والفراء، والكسائي، والأصمعي، وابن قتيبة، والخليل، وابن جني، والجوهري، وابن السكيت، وقطرب، وسيبويه، وأبي عمرو بن العلاء، وغيرهم.
وكثير من هؤلاء أخذوا مواد كثيرة من الألفاظ اليمنية وأدخلوها في مصنفاتهم ومعاجمهم اللغوية.
وقد قال ابن منظور في اللسان عن مادة “ينع”: “الينيع واليانع، مثل النضيح والناضح، قال عمرو بن معد يكرب [وهو زعيم وشاعر يمني]:
كأن على عوارضهن راحاً......يُفض عليهن رمان ينيع”(72).
وكما هو مشهور في علوم اللغة أن الفيروز أبادي ألف معجمه اللغوي المشهور “القاموس المحيط” في اليمن وأخذ كثيراً من اللغة اليمنية في معجمه في أواخر القرن السابع الهجري وبداية القرن الثامن، وربما كان “لسان العرب” و”القاموس المحيط” متقاربين؛ لأن كليهما ألفا في القرن السابع الهجري. كما لم ينكر على مؤلف الفيروز أبادي أحد من علماء اللغة أخذه عن اليمن.
وكذلك فعل ابن فارس في “معجم مقاييس اللغة”، والفراء في “البحر المحيط”، فمثلاً هذا الأخير يذكر أن “كذّاباً”(بكسر الكاف وتشديد الذال) مصدر “كذب” لغة يمانية فصيحة(73)، وذلك في قوله تعالى: {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً}(74). وابن دريد في الجمهرة.
بل إن أبا عمرو بن العلاء نفسه الذي قال ما قال في لغة أهل اليمن، رجع إلى الأخذ بتلك اللغة. فقال وهو يسأل عن مادة “لغب” كما جاء في لسان العرب، “حكي أبو عمرو بن العلاء عن أعرابي من أهل اليمن، فلان لغوب، جاءته كتابي فاحتقرها. قلت أتقول جاءته كتابي؟، فقال أليس هو الصحيفة؟. قلت: فما اللغوب؟، قال: الأحمق، والاسم اللغابة واللغوبة”(75).
ويستشهد هو نفسه باللغة اليمانية في مواضع عدة ومن ذلك مثلاً ما ذكره الطبري في تفسيره في معنى قول الله عز وجل:{إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ}(76). وذُكِر عن أبي عمرو بن العلاء، قال: إنها لغة أهل اليمن(77).
وكان أول من اهتم باللغة اليمنية قديماً وفك أبجديتها أبو الحسن الهمداني في كتابه “الإكليل”، واهتم بالألفاظ اليمنية وتعدادها. . ولقد كان لاختفاء معظم مؤلفاته ومعظم مخطوطات الإكليل وخاصة الجزء التاسع منه الذي ركز فيه على اللغة اليمنية وكتاباتها المسندية - فيما أعتقد-، الدور الأهم في فهم علماء اللسانيات الغربيين أمثال: نيبور وجلازر وغيرهما اللذان ينسب إليهما فك الخط المسند اليوم ونسبوه لأنفسهم، بينما هذا المخطوط يوضح فيه كل شيء عن خصائص تلك الأبجدية واللغة، وكما قيل أنه يوجد في متحف لندن، فلا أستبعد أنهم أخذوه وتعلموا منه فك تلك الأبجدية. وكذلك فعل من بعده بزمن نشوان الحميري في معجمه “شمس العلوم”. حيث توسع في شرح هذه اللغة والخط اليمنيين؛ رسماً وخصائص، وشرحاً وأبعاداً.. يقول الدكتور فؤاد حسنين علي: “والدليل على إلمام العلماء [المسلمين] بلغة تلك الكتابات ما جاءنا عن نشوان الحميري، وهو ممن عاشوا في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين.
فهو يذكر لنا الأبجدية الجنوبية ويفهمها فهماً جيداً، لذلك مما يؤسف له حقاً أن المؤرخين الإسلاميين خلطوا بين التاريخ والدين وتناسوا هذه الكتابات القديمة التي ظلت على الإهمال والنسيان حتى جاء القرن التاسع عشر”(78).
وفي هذا يذكر مطهر الإرياني أن ليس للغرب وللمستشرقين الباحثين في اللغة اليمنية القديمة الفضل البتة في فك رموز وأبجديات الخط المسند اليمني، فقد جاؤوا على علم مكتوب في كتب الهمداني ونشوان الحميري، ويذكر لذلك قصة طريفة.
حيث حدثني الإرياني أن مخطوط “شمس العلوم” لنشوان الحميري الذي حققه مع الدكتور حسين عبدالله العمري، كان محروزاً في مكتبة الأوسكاريال، وهي مكتبة الرهبان الإسبان في إسبانيا، وغير مسموح البتة في الأخذ منه أو نسخه أو تصويره حتى جاء العام 1988، حينما كان حسين العمري يحضر الدكتوراه فذهب إلى المكتبة ولقي القائمين عليها وألح في نسخ الكتاب، ولما رفضوا قال لهم إن لي حقاً في هذا الكتاب، فصاحبه هو جدي العاشر، وأخذ يسلسل أسماء أجداده حتى وصل إلى العاشر فقال بن نشوان بن سعيد الحميري(79). عند ذلك وعدوه بإرسال نسخة مصورة له، وبعد فترة أرسلوا نسخة مصورة من الكتاب على عنوان الإقامة لمطهر الإرياني في دمشق، فأظهروه للنور.
كما أخذ بعض المحدثين يتتبعون بعض الألفاظ اليمنية في المعاجم العربية أو القرآن الكريم سواء كان ذلك في مؤلفاتهم أم في دوريات ومجلات تعنى باللغة والأدب والفكر. ومن هؤلاء مثلاً: الدكتور إبراهيم أنيس في كتابه “اللهجات العربية”، “وقد اعتمد الدكتور إبراهيم أنيس على اللسان وخصص القسم الأخير منه لنصوص نقلها من اللسان، كان عدد الألفاظ اليمانية: سبعاً وستين ومائة لفظ”(80)، والدكتور هادي عطية مطر الهلالي من جامعة بغداد في كتابه “دلالة الألفاظ اليمانية في بعض المعجمات العربية” الصادر عام 1408- 1988م، وقبله كتابه “الجهود اللغوية للشيخ الهمداني في شرح القصيدة الدامغة”.
فقد ذكر في كتابه أن علماء اللغة أغفلوا جهود الخليل بن أحمد في ذكر دلالات الألفاظ اليمانية ونسبتها إلى تلميذه الليث من قبل الأزهري ومن نقل عن كتابه التهذيب.
وهو في هذا الكتاب يعيد ذكر هذه الألفاظ اليمانية في هذا الكتاب للخليل بن أحمد وغيره من اللغويين. وذكر أن مجموع ما ذكره الخليل من الألفاظ اليمانية: اثنتان وثلاثون ومائة لفظ.
كما أن الصغاني اهتم بجمع هذه الألفاظ اليمانية في كتابه “التكملة والذيل والصلة” “فكان أكثر من ثمانٍ وستين وأربعمائة لفظة”(81).
ومنهم الدكتور هاشم الطعان الذي “ذكر في كتابه (تأثر العربية باللغات اليمنية القديمة) معجماً للألفاظ اليمانية كان عددها: تسعين ومائتي كلمة”(82). وقد عاش الصغاني في ذمار اليمنية فترة من الزمن يقارب عامين.
أما من كتب حول بعض الألفاظ اليمانية في القرآن الكريم في الدوريات والحوليات المعاصرة، كالأستاذ الداجي الهاشمي الذي كتب “بحثاً في مجلة (دعوة الحق) التي تصدرها وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب تحت عنوان “لم يكن القرآن بلغة قريش فحسب” ذكر فيه أن في القرآن الكريم ستاً وعشرين لفظة من حمير”(83) ثم قام بتعدادها.
كما كتب بحثاً في هذا الشأن الدكتور إبراهيم السامرائي من جامعة صنعاء، في مجلة “الإكليل”(84) تحت عنوان “مقدمة في لغات اليمن” أورد ألفاظاً للغة اليمانية في القرآن الكريم كما عند السيوطي في “الإتقان” وعددها اثنا عشر لفظاً، هي: “سامدون”، “الأرائك”، “ولو ألقى معاذيره”، “لا وزر”، “وزوجناهم بحور”، “لو أردنا أن نتخذ لهواً”، “أتدعون بعلاً”، “المرجان”، “الصواع”، “فنقبوا”، “سيل العرم”، “مسطورا”.
وكذلك ورد بحث للقاضي إسماعيل الأكوع في مجلة “الإكليل”(85) بعنوان “اللغات اليمانية القديمة وما انفردت به من خصائص”، وساق فيه خمسين لفظاً من القرآن الكريم على أنها لغات يمانية، قال الدكتور هادي عطية أنه اعتمد على ما ذكره السيوطي والداجي(86).
لقد حافظت اللغة اليمنية على خصائصها وجزالتها وأصالتها خاصة في المناطق الجنوبية لليمن كونها كانت بعيدة عن زحف التأثير اللغوي الشمالي الجديد؛ لأن اللغة العربية الفصحى الجديدة اتسعت شمالاً بفعل تأثير القرآن الكريم الذي انتشر مع انتشار الدين الإسلامي الجديد، وكان حركته إلى الشمال والشرق والغرب أكثر من حركته إلى الجنوب (اليمن)؛ كون اليمنيين كانوا مهاجرين حاملين لراية الدعوة والفتوح في أصقاع الأرض، ولم تكن بلدهم بلد هجرة إليها واستقرار؛ لذلك انتقلوا مع الدعوة حيثما انتقلت، وبقيت بلادهم الأصلية بعيدة عن التأثير اللغوي الشمالي إلا قليلاً في المناطق الشمالية القريبة من البيئة الجديدة للغة والدين وبفعل القرآن الكريم.
ولذلك كلما اتجهنا جنوباً في اليمن كلما وجدنا ألفاظاً لغوية أكثر أصالة ومحافظة وتقيدها بالساميات القديمة وليس بالعربية الشمالية الجديدة.
لقد تتبعنا كثيراً من الألفاظ التي ذكرناها على أنها ألفاظ يمانية في القرآن الكريم فوجدناها تنتمي أكثر إلى المناطق الجنوبية الغربية في اليمن (قتبانية ثم أشعرية) في صيغها وتراكيبها ودلالتها ومعانيها وأصالتها.
مثل بعض الألفاظ: “كُبّار”، “كِذّاب”، “زحزح”، “يرتع”، “عرجون”، “تثريب”، “خرّ”، “فتح”، “عقم”، “صبغ”، “مرج”، “صريم”، “تني”، “زهد”، “عقر”، “زجى”، “باد”، “تل”، “دعَّ”، “روح”، “سرح”، “رتق”، “فتق”، “ذرع”، “كر”، “وقرا”، “قرّ”، “جرّ”، “قهر”، “نهر”، “ذرّ”، “ذرأ”، “بسل”...إلخ.
اللغة اليمنية وعلماء التفسير:
لقد فرضت بعض ألفاظ القرآن الكريم ذاتها على المفسرين واللغويين في معرفة معانيها من مواطن متعددة، وبعضها لم يجد لها المفسرون جواباً أو معنىً إلا في لغة أهل اليمن.
كما أن بعض المفسرين اللغويين للقرآن الكريم، وعلى رأسهم عبدالله بن عباس وطاووس بن كيسان، عادوا إلى اللغة اليمنية في معرفة بعض ألفاظ القرآن الكريم التي أشكلت على المفسرين وحار فيها اللغويون.. وبعض هؤلاء اللغويين أفرد لها كتباً خاصة أسموها مثلاً “غريب القرآن”، “مشكل القرآن”..إلخ.. فهذا ابن عباس يقول: “لم أكن أعلم ما معنى (فاطر) حتى مررت على أعرابيين [من أهل اليمن] وهما يختصمان على بئر، فسمعت أحدهما يقول أنا فطرتها”..وهذا اللفظ يكثر في لغة النقوش اليمنية، وهو بمعنى (اختط، أحدث، أنشأ، شق، أوجد). بل إن ابن عباس كان يسكت عن مسائل القوم في بعض الألفاظ فما يدري ما يجيبهم به حتى يعرف معانيها من أهل اليمن، وأحياناً كان بعض أهل اليمن يصوب له المسألة إذا سئل عنها. ومن ذلك مثلاً ما أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قيس بن سعد قال: سأل رجل ابن عباس - رضي الله عنهما- عن قوله {أتدعون بعلاً} فسكت عنه ابن عباس - رضي الله عنهما- ، ثم سأله، فسكت عنه، فسمع رجلاً ينشد ضالة، فسمع آخر يقول: “أنا بعلها”. فقال ابن عباس: “أين السائل؟ إسمع ما يقول السائل “أنا بعلها”. (أنا ربها)، {أتدعون بعلاً} أتدعون رباً”.(87).
وكذلك قال مفسرون آخرون “لم نكن ندري ما معنى قول كذا..”، فقد “أخرج عبد بن حميد وابن الأنباري في الوقف والابتداء، عن الحسن - رضي الله عنه- قال: لم نكن ندري ما الأرائك حتى لقينا رجلاً من أهل اليمن، فأخبرنا أن الأريكة عندهم الحجلة إذا كان فيها سرير”(88).
وكان بعض اليمنيين يصوبون بعض الكلمات والأحكام في مجالس الصحابة لبعض معاني آي القرآن. فمن ذلك مثلاً ما ذكره ابن كثير والطبري في تفسيريهما من رواية ابن جرير قال: “حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد قال: حدثنا حماد بن زيد، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه قال: تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوماً: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}(89)، فقال شابٌ من أهل اليمن: “بل عليها أقفالها حتى يكون الله - عز وجل- يفتحها أو يفرجها”. فما زال الشاب في نفس عمر - رضي الله عنه- حتى ولي، فاستعان به”(90).
وكان الضحاك من المشتغلين بتفسير القرآن الكريم وهو من المعافر اليمنية - جنوب غرب اليمن (محافظة تعز اليوم)- وقد ساعده في استنباط معاني القرآن الكريم خلفيته المعرفية اللغوية اليمنية، وكذلك كان طاووس (من التابعين)، وهو أحد أئمة الجند بعد معاذ بن جبل - رضي الله عنه-، وكذلك كان عكرمة وقتادة وعطاء بن أبي رباح وسفيان الثوري ومقاتل، يرجعون إلى لغة أهل اليمن لمعرفة معاني بعض ألفاظ القرآن الكريم، وكل هؤلاء من الأولين ولم ينكر عليهم أحد من علماء عصورهم أنهم استرشدوا معاني لبعض ألفاظ القرآن الكريم من لغات اليمن.
أما من المتوسطين فكان ابن كثير والزمخشري والقرطبي والسيوطي، ومن المتأخرين إبن الأمير الصنعاني والشوكاني؛ وكانوا يرجعون إلى اللغة اليمنية لمعرفة معاني بعض ألفاظ القرآن.
وللتمثيل على ما ذكر، نذكر بعض الألفاظ وتفاسيرها عند بعض المفسرين، وبعض ما توصلنا إليه في بحثنا ومنها:
1 - “بعل” في قوله تعالى على لسان نبيه شعيب: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ}(91)، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-، ومجاهد وعكرمة وقتادة والسدي “بعلاً” يعني: رباً. قال عكرمة وقتادة وهي لغة أهل اليمن”(92). وفي لغة النقوش اليمنية “ب ع ل/ أ و م” بمعنى رب أو سيد أوام.
2 - “الصواع” في قوله تعالى على لسان أتباع عزيز مصر: {قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ}(93). هي “الطرجهالة في لغة أهل اليمن. وأخرج الكلبي في كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان عن مجاهد قال: “الصواع الطرجهالة بلغة حمير”(94).
3 - “لهواً” في قوله تعالى: {لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ}(95). “قال الحسن وقتادة وغيرهما (اللهو) المرأة بلسان أهل اليمن”(96).
4 - قال المؤرخ القاضي إسماعيل الأكوع: “كتب الأستاذ الداجي التهامي الهاشمي بحثاً في مجلة (دعوة الحق) التي تصدرها وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب تحت عنوان “لم يكن القرآن بلغة قريش فحسب” ذكر فيه أن في القرآن الكريم ستاً وعشرين لفظة من حمير، وأخذ في تعدادها وذكر مكانها من الآيات والسور ثم ساق منها حسب ترتيبه: سيداً، تفشلا، سفاهة، زيّلنا، مرجواً، السقاية، حمأ، مسنون، فسينغضون، مسطورا، حُسبانا، عتيا، مآرب، غراما، الصرح، أنكر، وبعلاً”(97).
5 - “سامدون”: هي الغناء بلغة أهل اليمن “قال سفيان الثوري عن أبيه عن ابن عباس قال: “سامدون” الغناء هي يمانية؛ أسمد لنا: (غنّ لنا)، وكذا قال عكرمة”(98).
6 - “معاذيره” في قوله تعالى: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}(99). “قال الضحاك: ولو ألقى ستوره، وأهل اليمن يسمون الستر المعذار”(100).
7 - “كُبّاراً” في قوله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً}(101). وهو لفظ يمني يعني منتهى الكِبَر ولا كبير فوقه، ولا يزال يستخدم هذا اللفظ إلى اليوم في لغة الأشعريين. إذ أن بعض اليمنيين وخاصة في محافظة تعز يسمي الإصبع الإبهام “كُبّار” وليس كبيراً. “وقال عيسى بن عمر في “كُبّار” في قوله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً} هي لغة يمانية، وعليها قول الشاعر:
بيضاء تصطاد القلوب وتستبي بالحسن قلب المسلم القُرّاز(102).
8 - “الصريم” في قوله تعالى: {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ}(103). هو الصراب، وهو القطع والاستئصال للزروع أثناء الحصاد، ومن هنا جاء تشبيه هلاك ودمار الجنة “أصبحت كالصريم” مستأصلة من جذورها مع الحرق. وفي اللسان “الصريم الشيء المصروم الذي لا شيء فيه، وقيل: الأرض المحصودة”(104).
9 - “وقرا”: وهو لفظ عند الأشعريين تعني الثقل والوسع والكفاية، ولا يزال اللفظ مستعملاً في لهجة محافظة تعز إلى اليوم..يقال “حمل الرجل وقره” أي كفايته ووسعه، ومنه قوله تعالى: {فَالْحَامِلَاتِ وِقْراً}(105),
10 - “فاقرة”: وهو الموت والهلاك في لغة اليمن، ومنه قوله تعالى: {تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ}(106).
11 - “كرّة”: وهي الإعادة ومن تكرار الشيء، وهو لفظ لا يزال يستخدم إلى اليوم عند بعض القبائل اليمنية كبني مطر والحيمتين وبعض قبائل البيضاء، وله معانٍ متعددة، مثل: “رجعة، إعادة، تكرار، مرة”. وهو عند بعض قبائل الحجرية يعني “جمعاً” أو “الكل” كما هو في لهجتي الصلو وسامع. ومنه قوله تعالى: “ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ”(107)، وقوله تعالى: {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}(108). أي رجعة أو عودة.
و”الكرّة” أيضاً الاندفاع والحمل على الشيء، كما هو أيضاً في لهجة أهل الحجرية أيضاً. يقال: “كرّ عليه”، أي حمل عليه وشدد في الطلب.
12 - “مصانع”: هو لفظ يمني يعني “قلاع” مفردها “مصنعة” أي قلعة. ويرد في لغة النقوش اليمنية كثيراً في كل اللهجات السامية اليمنية، ومنه قوله تعالى: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ}(109). ولا تزال الأسماء موجودة إلى اليوم، ك “مصنعة مارية” في ذمار.
13 - “فتح” وهو القضاء في لغة اليمن، ومنه قوله تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}(110). أي إقض بيننا وبين قومنا بالحق.
14 - “تني”: هو لفظ في لهجة الحجرية بمعنى “تمهل، إنتظر، أقصر”، ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي}(111).
15- “رِبيون” وهم الأتباع في لغة اليمن. ومنه قوله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}(112).
16 - “زحزح” بمعنى حرك وأزاح جانباً في لغة من لغات اليمن. ومنه قوله تعالى في الذكر الحكيم: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}(113).
17 - “خرّ” بمعنى هوى وقذف وارتمى في لغة اليمن، ومنه قوله تعالى: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ}(114). أي فهوى ساجداً، أ ارتمى ساجداً. ومنه قوله تعالى أيضاً: {إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً}(115). أي يهوون، والأذقان في لغة اليمن مواضع العبادة.
18 - “رتق” بمعنى ألصق وضم في لغة اليمن، يقال: “رتق فلان ثوبه” إذا أخاط تمزقه، ومنه قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا}(116). قال الشاعر عبدالله بن الزبعرى السهمي:
يا رسول المليك إن لساني ... راتقٌ ما فتقت إذ أنا بور
19 - “مرج” في قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ}(117). قال بعض المفسرين ومنهم ابن عباس “مرج” يعني أرسل، وقال ابن كثير يعني “خلق”، وفي لغة بعض اليمنيين “مرج” بمعنى خلط ومدد ومزج، يقال عند رش الماء في الأرض خاصة إذا مزج بالنورة ونحوها (مرّج)، وهي من لغة الأشعريين والقتبانيين، ولا يزال اللفظ منطوقاً به إلى اليوم في محافظة تعز بمعنى (خلط ومزج وذرى ومدد، وكذلك ملط جدران البيوت)، وهو أقرب المعاني إلى سياق وحال الآية من التصوير بين مزج البحرين ببعضهما {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً}(118).
20 - “مزجاة” في قوله تعالى: {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ}(119)، قال بعض المفسرين: (مدفوعة)، وقال بعضهم (ضعيفة) بدليل “فتصدق علينا”(120)..واللفظ “كنعاني” يحمل معنى الضعف، غير أنه في لغة اليمن يعني (القوة)، فيعد من ألفاظ التضاد بين اللغات.
21 - “صبغ” وذلك في قوله تعالى: {تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ}(121)، وتعني (إدام) للآكلين، ذكره ابن كثير، وهو ما يؤكل مع الرغيف والخبز يسمى اليوم “خصار”. وهو من الألفاظ اليمنية التي لا تزال مستعملة النطق إلى اليوم. لكن اليمنيين، وخاصة في محافظة تعز، ينطقون اللفظ بالسين والصاد معاً (سبغ، صبغ) مثله مثل اللفظ “مسيطر، مصيطر”.
22 - “عرج” في لغة اليمن هو غصن الشجر الممتد على الأرض سواء كان أخضراً أم يابساً، ومنه المنعرج في الطريق (الملتوي). وورد في قوله تعالى: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}(122). وهو عند المفسرين بمعنى عذق النخل إذا تيبس فيتقوس.
23 - “يرتع” في قوله تعالى: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ}(123)، وهو عند بعض المفسرين كابن عباس والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم يعني “ينشط”. وفي بعض اللغات اليمنية يعني (يحرس، يرتب).
وسياق الآية من حالة إخوة يوسف يدل على الحراسة والترتيب لا النشاط، وبالتالي فهو إلى اللغة اليمنية أقرب من كلمة ينشط؛ لأن يلعب في الآية مرادف لينشط ولا يستخدم التكرار بلفظين مترادفين ومتتابعين ومتجاورين في القرآن الكريم. وفي اللغة القتبانية يعني (يأكل من خيرات الأرض وشجرها) وهو يناسب أيضاً حالة إخوة يوسف في اللعب والتنزه والأكل من خيرات الشجر.
24 - “بادٍ” في قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}(124). والباد عند المفسرين الشائع العام وهو عكس “العاكف” وهو المقيم.
وفي لغة أهل اليمن “الباد” هو الشائع غير المحروز ولا المحظور أي السبيل، يقال “الرجل بدى بأرضه وجعلها بدية” أي جعلها شائعة وسبيلاً. ومنه قوله تعالى: {يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ}(125)، أي سائحون ماشون في القبائل.
25 - “عاقر” هي المرأة التي لا تلد كما جاء في قوله تعالى: {وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ}(126).
والعُقْرُ - بضم العين وتسكين القاف- لغة يمانية من لغة الأشعريين وهي لا تزال مستعملة إلى اليوم في محافظة تعز، وتعني (الخراب والعطل) وعدم الفائدة وعكس “صالح”، يقال: “عقرت الشيء” أي أخربته وأتلفته. وعليه قوله تعالى: {فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ}(127).
26 - وكذلك “العقم” في قوله تعالى: {وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً}(128)، وهو الرجل الذي لا ينجب البتة. . والعقم في لغة اليمن (السد أو الحابس) ومنه حبس الإنجاب عن الرجل. و”المعقم” السد في لغة الأشعريين والقتبانيين، وهو في لغة النقوش اليمنية “مصرف الماء”.. وكذلك اللفظ “عُكْم” بمعنى سد، وأظنه مرادفاً للفظ “عقم” أو ذاك لغة وذاك لغة أخرى لكنه يؤدي نفس المعنى وهو في لغة أهل الحجرية بالحرفين معاً مثله مثل اللفظ “مسيطر ومصيطر” بالسين والصاد، وذاك بالكاف والقاف وهو تشابه يتكرر كثيراً في لغات اليمن.
27 - “طرح” بمعنى (ألقى) وهو في قوله تعالى: {اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ}(129). أي ألقوه في أرض بعيدة عن أبيكم.. والطرح في لغة اليمن الإلقاء، وحط الشيء المحمول على الأرض، وكذلك الضرب والصرعة، يقال “زيدٌ طرح عمراً أرضاً”، أي ضربه وصرعه وتغلب عليه.
28 - “زهد” في قوله تعالى: {وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}(130)..أي من الناكرين له كما قال المفسرون. واللفظ في لغة اليمن عند القتبانيين والأشعريين يعني المعرفة عكس النكران، يقال “فلان زهد وزاهد”، يعني علم ودرى. بينما في اللغة السبئية والحميرية يعني محصول ضريبة، والعامل بين الحالين هو البيع والاتجار به.
29 - “عطل”، كما في قوله تعالى: {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ}(131). قال المفسرون “معطلة” يعني متروكة بغير راعٍ. وفي اللغة اليمنية “معطلة” يعني مخربة ومنزوعة الماء..يقال “عطل فلان وعاءه” أي نقل ما فيه وأفرغه من محتواه، وهي لغة جنوبية غربية (أشعرية من أصول قتبانية).
30 - “فصل” في قوله تعالى: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ}(132)، أي (سار) في لغة اليمن، وقد ورد اللفظ “فسل” بالسين أي سار، ومنه قوله تعالى: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ}(133)، أي سارت بلغت اليمن وانفصلت عن المكان الذي خرجوا منه.
31 - “عسى” كما في قوله تعالى: {قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ}(134). واللفظ كما قال اللغويون من أفعال الترجي يشبه لعل. وفي اللغة اليمنية بمعنى فعل. وقد فصلنا في “عسى” في الصفحتين 128، و129 من هذا الكتاب.
32 - “قرَّ”: كما في قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}(135). عند المفسرين من القرار بمعنى “إلزمن”. وفي لغة اليمن بمعنى القرار والسكون وعدم الحركة، يقال للرجل “قر” بكسر القاف وتشديد الراء، إذا كان متحركاً بمعنى (أسكن) ولا تتحرك. ولا يزال اللفظ يستخدم إلى اليوم في لهجة أهل تعز في الحجرية للزوم المنزل، يقال “الرجل قرّ في بيته”، أي لزمه ولم يخرج منه. وكثيراً ما يستخدم اللفظ لمعنى تقييد الحركة وأكثره يخاطب به الحيوان عند اضطرابه.
33 - “ركع” في قوله تعالى: {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ}(136). قال ابن دريد: الركعة الهوة في الأرض لغة يمانية، وقيل الانحناء يعم الركوع والسجود، ويستعار أيضا في الانحطاط في المنزلة. قال الشاعر:
ولا تعاد الضعيف علك أن ...تركع يوما والدهر قد رفعه (137).
34 - “بور”: في قوله تعالى: {وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً}(138). ويطلق البور على الهلاك. وعن ابن عباس أنها لغة أهل عمان، وهم من أهل اليمن، ومنه قول الشاعر:
فلا تكفروا ما قد صنعنا إليكم ... وكافوا به فالكفر بور لصانعه(139).
35 - قوله تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ}(140). مذهب الجمهور - منهم الحسن ومجاهد - أن “ما” معناه التعجب وهو مردود إلى المخلوقين، كأنه قال: أعجبوا من صبرهم على النار ومكثهم فيها. وفي التنزيل: {قُتِلَ الأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}(141). و{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ}(142). وبهذا المعنى صدر أبو علي. قال الحسن وقتادة وابن جبير والربيع: ما لهم واللّه عليها من صبر، ولكن ما أجرأهم على النار وهي لغة يمنية معروفة.
قال الفراء أخبرني الكسائي قال: أخبرني قاضي اليمن أن خصمين اختصما إليه فوجبت اليمين على أحدهما فحلف، فقال له صاحبه: ما أصبرك على اللّه؟ أي ما أجرأك عليه. والمعنى: ما أشجعهم على النار إذ يعملون عملا يؤدي إليها”(143).
36 - “الطلح المنضود”. هو الموز بلغة اليمن. “وروي عن ابن عباس، وأبي هريرة، والحسن، وعِكْرِمَة، وقسامة بن زهير، وقتادة، وأبي حَزْرَة، مثل ذلك، وبه قال مجاهد وابن زيد -وزاد فقال: أهل اليمن يسمون الموز الطلح. ولم يحك ابن جرير غير هذا القول”(144).
37 - “كتاب مرقوم” أي مكتوب كالرقم في الثوب، لا ينسى ولا يمحى. وقال قتادة: مرقوم أي مكتوب، رقم لهم بشر: لا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد. وقال الضحاك: مرقوم: مختوم، بلغة حمير؛ وأصل الرقم: الكتابة؛ قال: سأرقم في الماء القراح إليكم ... على بعدكم إن كان للماء راقم”(145).
والمرقوم في لغة الأشعريين، ولا يزال اللفظ مستعملاً إلى اليوم، يعني مرسوم، الوثيقة المصدقة بشهود وختم وغيره كالمرسوم (القانون)، يقول أحد المتخاصمين للقاضي: “أرقم لنا مرقوماً”، أي أكتب لنا كتاباً موثقاً مشهوداً.
38 - “نقض” في قوله تعالى: {الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ}(146) كما عند القرطبي “أي أثقله حتى سمع نقيضه؛ أي صوته. وأهل اللغة يقولون: أنقض الحمل ظهر الناقة: إذا سمعت له صريراً من شدة الحمل. وكذلك سمعت نقيض الرحل؛ أي صريره. قال جميل:
وحتى تداعت بالنقيض حباله ... وهمت بواني زوره أن تحطما
بواني زوره: أي أصول صدره. فالوزر: الحمل الثقيل. قال المحاسبي: يعني ثقل الوزر لو لم يعف اللّه عنه. {الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} أي أثقله وأوهنه”(147).
وفي اللغة اليمنية “النقض” بفتح النون: الهدم، يقال في اليمن وخاصة في لغة الحجرية “نقض بناءه” أي هدمه وأعاد إصلاحه. و”النقض” بضم النون وسكون القاف: هو المرض الذي اختفى وعاد من جديد، وأيضاً الجرح إذا التهب فتهيج وآلم صاحبه وأقلقه يقال له “نُقض”، وهو في سياق الآية وحالها أقرب إلى الواقع وتفسير المعنى الصحيح..والله أعلم.
39 - “للغيب”: في قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ}(148). قال القرطبي: الليل بلغة حمير(149).
40 - “عجل”: في قوله تعالى: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ}(150). قال أبو عبيدة وكثير من أهل المعاني: العجل: الطين بلغة حمير
41 - “ألا تعولوا”: في قوله تعالى:{ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ}(151)، قال الثعلبي المفسر: قال أستاذنا أبو القاسم بن حبيب: سألت أبا عمر الدوري عن هذا وكان إماماً في اللغة غير مدافع فقال: هي لغة حمير؛ وأنشد:
وإن الموت يأخذ كل حي ... بلا شك وإن أمشى وعالا(152).
42 - “يضاهئون” في قوله تعالى {ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْل}، قال القرطبي في تفسيره(153): أي: يشابهون. وفي لغة اليمن يعني يرد بالمثل، يقضي بالمثل، يقرض، يشابه، يماثل.
43 - “الرهب” الكُم، “وقال بعض أهل المعاني: الرهب الكم بلغة حمير وبني حنيفة قال مقاتل: سألتني أعرابية شيئاً وأنا آكل فملأت الكف وأومأت إليها، فقالت: ها هنا في رهبي تريد في كمي. وقال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول لآخر: أعطني رهبك، فسألته عن الرهب فقال: الكم؛ فعلى هذا يكون معناه: اضمم إليك يدك وأخرجها من الكم”(154).
يتبع...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.