مع البردوني (في أرض بلقيس ) مروراً ب ( في طريق الفجر) لنصل إلى (مدينة الغد ) ترافقنا ( كائنات الشوق الآخر) مع (السفر في الأيام الأخضر) لنجد ( جواب العصور) ( لعيني أم بلقيس) تخبرنا عن ( رجعة الحكيم بن زايد) بمعية ( ترجمة رملية لأعراس الغبار) لنستشهد عن وجود ( وجوه دخانية في مرايا الليل) على وقع ( رواغ المصابيح) في ( زمان بلا نوعية).. هكذا كانت تفاصيل حياة الشاعر والأديب الكبير الراحل عبدالله البردوني في الأدب والشعر مع الكثير من أعماله النقدية وكتاباته الصحفية فبعد أن غيب الموت حياته الطاهرة عام 1999م .. غُيبت أعماله التي لم تظهر سابقاً, والتي أعلن عنها قبل وفاته بأكثر من لقاء وحوار صحفي. وقد توجه الشعراء والأدباء في ذكرى رحيله إلى إصدار بيان يحمل وزارة الثقافة مسؤولية إرث البردوني, وغياب تلك الأعمال, والتي يتهم فيها شخصيات نافذة في النظام السابق, هي من تحوز وتستأثر عليها حتى الآن بشكل مجحف ودنيء, كنوع من العقاب على مواقفه السياسية والفكرية, التي كان معروفاً بها, ولما يحمله البردوني من توجه ثوري في كتاباته وأشعاره المنافية لأي حاكم وسلطة, وتمسكه بمواقفه مما جعله يزور السجن في حياته ثلاث مرات, والأعمال المخفية هي: رحلة ابن من شاب قرناها (شعر), العشق على مرافئ القمر (شعر)، أحذية السلاطين (شعر), الجمهورية اليمنية- فكر سياسي استكمال لكتابه الشهير اليمن الجمهوري تناول فيها الوحدة اليمنية وما سبقها من إرهاصات), الجديد والمتجدد في الأدب اليمني (أدب ونقد), العم ميمون (رواية)، السيرة الذاتية.. ويعتبرها البردوني أكبر كتاب له, وتضم عدداً من الحلقات التي كان ينشرها في صحيفة 26 سبتمبر.. ويعتبر البردوني من القلائل الذين يوسمون بعباقرة الشعر, والذي يمتلك الإنسانية, وخاصة تجاه الذين عانوا من الفقر, فهو شديد الإحساس بشقائهم ومعاناتهم: هذي البيوت الجاثمات إزائي ليل من الحرمان و الإدجاء من للبيوت الهادمات كأنّها فوق الحياة مقابر الأحياء تغفو على حلم الرغيف و لم تجد إلاّ خيالا منه في الإغفاء و تضمّ أشباح الجياع كأنّها سجن يضمّ جوانح السّجناء والغوص في حياة البردوني يحتاج إلى مؤلفات, والتي قد تختصر ما عاشه البردوني من مواقف ولحظات, وما شعر به ولعل أجملها هي تلك التي كانت أواخر العام 1971م في مهرجان إبي تمام في الموصل حين أشارت الشاعرة لميعه عباس لوزير الثقافة العراقي بان يصعد البردوني لإلقاء شعره في اليوم الأول وهو ما حصل حيث سيقَ إلى المنصة تعلو وجهة أوجاع الزمان وهمة المحارب حاملاً معه ملابسه المهترئة, وسط ضجيج القاعة, كيف وصل هذا؟ حيث تحسس الميكروفون بأنامله المتثنية بالجراح و لقى قصيدته المشهورة ( أبو تمام وعروبة اليوم ) ومطلعها: ما أَصْدَقَ السَّيْفَ! إِنْ لَمْ يُنْضِهِ الكَذِبُ وَأَكْذَبَ السَّيْفَ إِنْ لَمْ يَصْدُقِ الغَضَبُ فجذب كل من في القاعة إليه, والى إلقائه وشعره وبما جسدته القصيدة من معان وحوار بديع لأبي تمام.. وما إن انتهى حتى قوبل بعاصفة من التصفيق الحار.. وحصل في النهاية على جائزة المهرجان من أمام شعراء كبار ك “نزار قباني والعراقيين بلند الحيدري وعبدالوهاب البياتي, وأعجبني كثيراً ما استطرق إليه شاعر حينها بوصف حال البردوني بشعر نزار قباني: ضوء عينيك أم هما نجمانِ كلهم لا يرى وأنت تراني أرمِ نظارتيك ما أنت أعمى إنما نحنُ جوقة العميان عبدالله البردوني هامة وطنية شامخة, يعتز بها كل اليمنيين فهو رمز للشعر والأدب والحداثة, ومن حق محبيه معرفة مصير إرثه الذي لو لم نتكلم عنه لأصبح دفين الأدراج و سراديب الظلام:: لعينيك يابردون هطلت الأدمعُ تنثرُ شعركَ هيا أسمعُ تهوي بنا إلى ثراكَ كأننا قصيدةً تترجل فارسها المقنعُ