سلسلة مقالات وجدانية للكاتبة والخبيرة في التنمية البشرية المدربة الدولية عائشة الصلاحي عن مؤلفها النوعي الصادر حديثاً (فارس النور)، من إصدارات مجلة نجاح المتخصصة في التنمية البشرية والعلوم الإدارية. وأخيراً جاءت لحظتنا الأصعب.. تلك اللحظة التي ما زال خيالها لا ينفك يرنو إلينا منذ بدأنا أول خطوة في (فن الممكن).. من أول خطوة هناك إلى آخر محطة هنا.. رحلة ممتعة رائعة حبيبةٌ للنفس.. أنيسةٌ للب الروح.. رحلة إلى أعماقنا جميعاً فكلنا كنا ولا زلنا شركاء في رحلة ومضة المنطلق.. تلك الرحلة التي بدأناها بدموع قوة وأمل وهتاف حار من أعماق الفؤاد (ربنا إننا هنا تتجدد آمالنا في أن نكون الجديد الذي تصنعهم لمجد أمة وعالم أحببناه لكننا تُهنا عن مفاتيح الربيع فيه.. ربنا بك ولك ومعك فاقبلنا). كلمات سطرناها لك ليست من أحرف لكنها روح تنسكب على الأوراق الحية، أوراق صنع بياضها أنها تغسل كل يوم بدموع ندية رقراقة من التفاؤل بالفتح القادم بيديك أنت، إنها أوراقٌ من الأماني الشفافة الخيرة.. أماني الحب لكل ما ومن حولنا.. ها هنا بدأنا من حيث أدركنا (أن الحب يبقى لنا في اللحظات التي يكون فيها كل شيء بلا جدوى.. حين يبقى بمقدرونا أن نحب دون انتظار مكافأة من تغيير أو شكر، إذ إننا إن كنا كذلك فإن الحب يبدأ بتغيير العالم المحيط بنا وعندما تظهر هذه الطاقة فهي تفعل فعلها دوماً). مناجاة سكبنا فيها الروح أفكاراً وكلمات لك وحدك.. نهرنا الهادر.. أسطراً مشفوعة بالدعاء الحار أن تشرق فيك بنور الحياة الذي يزيح أستار الممات عن كاهلك فتحيا وتزهر كربيع جديد يمضي لهذه الأمة كما أراد له خالقه على أفضل ما يكون المضاء. والآن جاء الوقت لنخبرك أن الرحلة وصلت إلى محطتها الأخيرة، لقد سمونا ببعضنا إلى تلك المراقي الأساسية التي لا يمكن لأي رحلة عظيمة إلا أن تمر بها جميعاً.. في نزهة راشدة سافرنا لنكون أفراداً غير ما كنا عليه من قبل، أفراداً صنعتهم ثقافة الاستخلاف المستعلية على القيود الأرضية الدونية.. أفراداً عمالقة لم تلدهم أرحام النساء بل أرحام الأفكار النورانية الحية.. أفكار تعلو بالروح لتعرف مكانها المتقدم على ما دونها، لأنها قدسية علوية. كنا الربيع الجديد في أول المسير، فلله تبارك وتعالى كل يوم نعم جديدة وكل يوم يشرق علينا هو الجديد لنا وبنا.. فقررنا أن ننفض السواتر الكئيبة بأن علينا المستطاع في (فن الممكن) ولا بد أن يكون هناك ما نفعله فلهم بنا.. أما أول الانطلاق فكان في تحديد ما نريد في (درب الشهب)، ثم حفزنا أرواحنا في (ومضة المنطلق).. وكسرنا قوقعة الانطواء والجمود التي سجنتنا لسنين.. بنصل المثابرة الذي لا يقهر ولنا كان الماء معلماً مخضرماً حين (انفلق الحجر).. لكننا ندري أن الجروح نازفة دوماً في أجساد أولئك الذين ما انفكوا يعاركون الحياة بصلابة علة مبادئهم ولهذا تعلمنا صيد (لآلئ المحن) لنستمتع بالألم فيصبح لحن نجاحنا وكفاحنا.. أما الظهور المنحنية بأثقال التزامات المروءة والمحبة للآخرين فقد أهديناها فلسفة العطاء الباقي المستعصي على الفناء في (إنحناء السنبلة) لنؤكد أن لا عظيم إلا بالعطاء السخي الودود، وزدنا المعنى إشراقاً في صحبة زكية لما أحببناه دوماً في صفات العطاء الغيثي المبارك في (ولذا نحب الغيث).. وكان لا بد بعدها أن نرسي أول قاعدة ملموسة وواقعية للوصول إلى المعجزات بدمج معنى الإيمان بالعطاء المثابر الصلب الذي لا ينقهر في رائعة (آن سوليفان مع هيلين كيلر) في (معجزة الإرادة).. أرأيتم أن العطاء المثابر الواعي المتلذذ بالألم هو المنتصر في صياغة أعاجيب الدهر!!. حين وصلنا إلى هذه المحطة أدركنا أننا أصبحنا في قلب المعركة وأنه لا بد أن يعاكسنا ما حولنا من ظروف بقوة التدافع الأزلية فبدأ التسلح الواعي في (عندما تهب العاصفة).. وتجاوزنا عصفها القاسي خطوة خطوة.. لكننا مع النصر والفخر لا ننفك عن ضعف بشري من الاستنزاف الذي أصابنا من كل هذا الارتحال المكافح، فكان لزاماً من تعلم فن الاستراحة بكل أنواعها فكلها مهمة تصنع بتكاملها فرداً متزناً منبسط الكل.. في (ونسيت متاعب دربي)، ومع الاستراحة التفتنا فوجدنا أن هناك من الأشياء والأمور التي لا دواء لها عندنا الآن وليس لها إلا درس الفراشة.. درس الزمن.. ذلك الطبيب الماهر فأقررنا أنك (حين لا تستطيع على شيء فدعه للمقادير) في (دعها للزمن). هكذا كنا قد أتممنا القاعدة الأساسية للتحفيز الروحي والنفسي، ثم أتممنا أهم المعاني والصفات الوجدانية التي تصنع الشخصية الصلبة (أولو العزم)، ثم شرعنا في صياغة المهارات الحية العملية للعظمة الحقيقية فبدأنا بشد الانتباه لما نملك نحن لا غيرنا في عزمة صقل المواهب (حتى لا تتعثر خطاك)، ثم رفدنا هذا الصقل بمبادرة التخصصية الماهرة بالارتقاء على كتف العمالقة، يضيف لمواهبنا صبغة الاحتراف النقية في (على أكتاف العمالقة)، وفي هذه المحطة كنت أنت من ترتقي كتف العمالقة وأنت العملاق الذي لا بد أن يسمح للآخرين بالارتقاء على كتفه بكل تواضع وحنكة واستحقاق. وعند هذه النقطة كان يلزمنا أن نتصدى لفكرة هدامة لطالما حطمت مشاريع رائدة لعمالقة يافعين.. إنها فكرة التضحية المجانية، التلذذ الأحمق بدور البطل الذي يتألم ويتألم بلا جدوى ويضحي بلا ثمن، فكان أن أرسينا قاعدة (عبور لا ألم)، استدراك هام وعملي جداً لا يقدر النزف غير المبرر ووضع حد لكل خسارتنا.. وكانت أكثر الأوقات إثارة وسعادة.. عند وصلنا إلى قمة ما خططنا له خلال سنة وأكثر.. فحركنا كل رائع فيك، وكل ما نما، وكل ما علا وينع.. ليصب في مصب يبتعد بنا عن التشتتية والغثائية التي حطمت أمتنا وتلاشت بضبابيتها إنجازاتنا الطموحة.. وداعاً لصاحب (السبع الصنائع والبخت الضائع).. فأنت عملاق متخصص ماهر.. كالأمازون الهادر.. لا يشتت عزمه جريانه تفرعات الطريق متمثلاً قاعدة (فاقصد البحر وخل القنوات) (إلى المصب) كانت الأحب والأصعب في رحلتنا للتألق مع الشهب وما بعدها كان ردفاً لها.. سامية تلك الغامرة الجريئة التي التفات فيها بعد القرار في (احرق سفنك ولا تلتفت) وكأنك فاتح لا يرجع لما خلفه.. فيحرق سفن العودة ولا يرهب من أمامه فيخطو بعزم التوكل الخالص لله والمتوكل لا بد له من التمحيص والعناء في سبيل مغامرته ولذا عليه أن يجيد ترويض وحش الحزن الذي لا ينفك يهجم على كل إنسان من أغوار ماضيه، وثنايا حاضره وضبابيات مستقبله.. الحزن عثرة وأي عثرة فمن يجيد تحويله إلى وثبة تتلوها ألف وثبة.. فكانت يدنا ممتدة بمساندة في (تشبث فالقاع سحيق) وليتأكد ذاك المعنى كان لا بد من أن نرسخ فهمنا للانسجام المتزن.. الانسجام مع كل ما حولنا وما فينا من طموحات وشعورات ليس بالأمر الهين، لكنه مفتاح السلام الداخلي، إذ يصبح الهم هماً واحداً في الأصل همة متوقدة تسمو وتنجز يوماً تلو يوم، بل لحظة تلو لحظة.. إن هكذا انسجام هو تزكي صعبة للنفس وأساسها التسليم والرضا بأحب من يحبنا سبحانه.. تسليم ينقذنا من الحيرة ومن الخوف ومن الغربة ومن كل ما يعيق الإنسان، الذي فتح القمر لم يفتح بعد قلاع نفسه، فلماذا لا يسلم المقاليد لمن هو أقرب إليه من حبل الوريد؟! وهو من يحول بين المرء وقلبه!.. ففتحنا من هنا المضمار لسباق إلى الرحمن، (دوماً.. وبكل ما له تشتاق)، أخيراً كان لا بد أن تشمل رحلتنا نبض الإخبات في عيون كل الرائعين الذين مروا بالحياة.. بريق الدمعات المودعة لكل شيء.. وداع العمل والإنجاز لوقت ونعم منحت لنا بسخاء.. وداع الكرام الذين يزداد كفهم سخاءً كلما قربت النهاية، بل وبعد الزفرة الأخيرة.. في عمر ثان يمحو حتمية الفناء ببركة من الله لما لا ينقطع أجره حتى والإنسان في قبره فكان (أريج الأثر وروعة الوصول).. آخر ما حفز وآخر ما كرمة نرسيها للنهر الهادر الذي لا بد أنه يتوق للخلود المبارك من الرحمن. في مجموع كل تلك المراحل أكملنا ومضة بداية متألقة لشهاب منطلق.. وعزمه هادر لنهر خير.. هو أنت ويكفينا أنت.. خاتماً في(مع كل الود.. من روح سكبت لنهرنا الهادر). اللهم إنها لك فبارك في بدايتنا لتحلو عندك نهايتنا.. مع كل ود الروح التي سكبت لك.. شكراً لمن تمثل الرحلة بكل صدق وجلد..