انطلق في ذلك الصباح البديع الملبد بالغيوم بعد أن جافا النوم عينيه من قبل أن يصدح أذان الفجر من المآذن العالية متشوقاً لرؤية ولديه.. طبعه لم يعتد النوم عندما يكون عازماً على الرجوع أو عندما يتغير المبيت .. لكنه في ليلة ذلك الصباح نام لساعة فقط .. ساعة جعلته كأنه نام يوم وليلة . لا بأس بذلك القدر من النوم المهم ألا يفوته الباص في الموعد الذي حضر قبله بساعة . افترش الرصيف الرخامي البارد أمام مكتب الباصات.. فالجو يبشر بيوم غائم.. تقاطر الناس إلى الموقف كل يريد مكان ما.. اتصل مخبراً ولديه بقدومه عبر هاتفه الجوال فوجدهما منذ الصباح يملأهما الفرح.. سبح بخيالة لبرهة بعيداّ يتذكر مرحهما وهما يملآن البيت حيوية أثناء حديثه معهما عبر الهاتف. ابنته تقول له اشتري لي كوفية للبرد وتترك الهاتف فرحة بابا عائد اليوم.. خفق قلبه المتعب خفقات أنبأته بأنه لن يراهما مرة أخرى.. صعد الجميع إلى مقاعدهم, تبعهم مفتش التذاكر بإجرائه الروتيني ثم تحرك الباص في خطه الطويل, أغمض عينيه ولم يشعر بشيء.. في أول موقف لتناول الفطور نزل الجميع إلا هو ظل مسنداً رأسه على الكرسي حاول جاره في الكرسي أن يوقظه لكن وجده قد فارق الحياة. ارتعب مردداً لا حول ولا قوة إلا بالله بكى جاره وبكى كل رفقاء الرحلة بعد علمهم بموته . وصل الخبر إلى ولديه قبل وصوله جثة هامدة بدقائق. تحولت فرحتهم إلى حزن عميق تلاشى مع الأيام .. هما لا يتذكران الآن إلا بعض خيالات الحدث بعد أن عرفا حقيقة الموت والحياة. فلكل أجله ومازالا يطلبان له من الله الرحمة