أقول إن الكثير بل الغالبية من المثقفين والقراء المتابعين يعرفونه رساماً للكاريكاتير أو فناناً ناجحاً ومتفوقاً برسم الكاريكاتير من خلال تواجده ورسوماته اليومية والأسبوعية بالعديد من الصحف والمواقع لكنهم لم يعرفوا عنه إنه شاعر ويحمل حساً شاعرياً وأدبياً مرهفاً يرسم الكلمات الشعرية في عقله كما يرسم الصورة المعبرة بريشته الحساسة على بطون الصحف ويزن السجع والقافية باللون والكلمات العامية وكما عودنا برسم الصورة الكاريكاتيرية المعبرة لواقعنا المحلي والمتحدثة بلهجتنا الدارجة فهو أيضاً يكتب القصيدة باللون العامي والفصيح وهذا ما لم يعرفه عنه سوى القلة من متابعيه... نعم أنه الفنان والرسام الكاريكاتيري والشاعر العامي الشاب الموهوب ( رشاد السامعي ) هذا الإنسان الفنان الذي بزغت موهبته سريعاً منذ نشأته عندما بدأ يحاكي الواقع ويتحدث مع من هم حوله عن طريق الرسومات الواقعية بالقلم والورقة متخطياً سُلم الموهبة والهواية من عتبة أو من بوابة صفحة (القُراء ) بصحيفة الجمهورية ونظراً لأن الموهبة الفعالة تدخل إلى عقول الآخرين بدون تصريح وتمر عبر نقاط السير المهني دون توقف أو تفتيش وبالأخص عندما تكون تلك الموهبة هي موهبة الشبل الذكي والناجح يومها رشاد السامعي.. فموهبته بالرسم التعبيري كانت تمر من نقاط التفتيش المهنية دون توقف كونها تحمل تصريح مرور رسمي ومعمد من قبل المختص عن مقص الرقيب آنذاك الذي كان يجد ( أي مقص الرقيب ) في مدلول تلك الصورة المختصرة معان فريدة تحمل في سماها سُحب مثقلة بعبق الفكر وصفوة المفهوم الفكري وسرعة البديهية عند طرح الصورة المعبرة بحيث يجعل المتصفح الأمي يفهم المعنى المرسوم بشكل كاريكاتير يفهمه قبل المثقف أو بالأصح يجعل معاني الصورة سريعة الفهم لم يعجز الأمي عن قراءتها إذا ما اعتبرنا أن المثقف تساعده ثقافته على الفهم السريع .. وهذا ما تميز به الرسام الشاب والإنسان الشاعر الذي ينزل إلى الشارع بفكره ويغزي المنازل والمكاتب الخاصة ويدخل المؤسسات والدوائر الحكومية بعقله وتفكيره ليقرأ مخرجات موهبته مما تفرزه معاناة الآخرين أو ينفث به رياح الشارع العام ليجد أمامه موهبة الرسام المتميز رشاد السامعي الذي يجعل عقله وفكره أشبه بجهاز فلترة حسية يفلتر كل ما تضخه العقول من معاناة ويستخرج منها لب المعاني ليعيده من جديد إلى أهله بعد إن يصوغه ويصنفره ويضع له المحسنات التشويقية إما بقالب فكاهي مضحك للغاية وإما بقالب يحمل معاني الأسى والحزن والمواجع ويغلب عليه الطابع العاطفي والبعد الإنساني الذي يُبكي حتى من يحمل قسوة في قلبه وتجلداً في مشاعره .. فمن منا لم تؤثر عليه تلك الرسمة المعبرة عن الفقر المدقع لتلك الأم التي لم تجد ما يفطر صومها في رمضان والتي تظهر بالصورة وهي قاعدة على سجادتها واضعة يدها اليمنى على خدها ويسراها فوق ركبتها وهي تسبل دموعها في خُفية عن صغيرها الذي يظهر واقفاً أمامها بثياب مرقعة يقول لها ( أماه .. الناس خلّصوا يصلوا تراويح وعاد حنا ما فطرناش ).. فقد يكون شرحي هنا غير مؤثر مثل ما هو مؤثر بالصورة وأنت تقرأها أمامك بملامحها.... وهناك صورة أخرى عند قُرب العيد تشاهد فيها الأب بوجه عبوس واضعاً يده على خده أمام تساؤل طفله وهو يقول له ( طيب اسمعني يا باه أشتري لي حتى بنطلون بس بلْبسه على الشميز حق المدرسة.. والجزمة .. صاحبي قال معه واحدة مستعمل بايخليها عندي أمد العيد ).. ليجيب عليه الأب الفقير ( رجعت ثاني مرة .. مكانك ولا فهمت ).. فيما هناك صورة ثالثة تحمل معاني حمل السلاح وكيف صار حال ذلك الرجل الأب الذي قتل ويقف بجانبه الشرطي الذي يقوده إلى ساحة الإعدام بينما زوجته وأولاده الثلاثة الصغار كل يتشبث به بقوة من جانب والبكاء والنحيب بادي عليهم وهو يقول لزوجته ( أوصيك بالعيال يأمره أسالك بالله لا تخليهم يتحملوا سلاحا أبدا يكفي أنا قتلت لحظة غضب وضيعت نفسي وضيعتكم معي ).... صورة أخرى لأم فقيرة وطفلها بثياب مرقعة كلٍ واحد ماسك على ركبتيه من شدة البرد في أيام الشتاء وهما داخل المقبرة ليس لديهما مسكن يؤويهما وهما بجانب أحد القبور حيث تقول الأم ( سُعيدهم دافيين ) وتقصد به الموتى وسط قبورهم وهي وأبنها بدون دفء... وصورة تحاكي العبث بالعُملة الوطنية أحدهم يبحث عن ورقة فئة 500ريال ضيعها بالشارع ويقول له زميله ( خلاص يا أخي عوضك على الله ) فيرد عليه العابث بالعملة بالقول ( لا أنا فدىَ لك دوّر معي سوى كتبت فوقها الصرفة وأرقام مهمة ).. أما معاناة الموتى وأهل الميت فلم ينسهم السامعي من إعطائهم حقهم من قراءة الهموم فهناك صورة رسمها لمستلم المقبرة يظهر بكرش منفوخ وأمامه جنازة محمولة وهو يقول لهم ( هذه ثلاثون ألفا حق القبر باقي الديبازي ).. كما أن الرسام الناقد رشاد السامعي كثف كثيراً بانتقاده لحمل السلاح حيث وضع صورة لأثنين من المتفاخرين بالسلاح وهما في مقيل وكأنهما في لحظة إدمان مع القات حيث يقول الأول ( يا صاحبي أنا لم أشف عُرس حامي مثل الذي وقع لنسبي تصور من كثر الرصاص إنهم راحوا ثمانية قتلى و21جريحا ) فيرد عليه الآخر بالقول ( هذا باليمن أو بقندهار).؟؟. لهذا لا نستطيع إحصاء رسومات الشاب الموهوب والفنان صاحب الفكر الثاقب والأنامل الحساسة الرسام رشاد السامعي لا نستطيع إحصاء رسوماته ولو لشهر واحد فقط فهناك رسومات تحمل معان أعمق وأغزر وأقوى من التي وضحناها سابقاً لكن لم تسعفن الذاكرة لحصرها وكلنا يتابع موهبته ونشاطه اليومي على وجه الصفحة الأخيرة من صحيفة الجمهورية أو بجانب بعض المواضيع الاستطلاعية وكلها تحمل معان ومفاهيم عظيمة... لهذا لا نبالغ لو قلنا أن رسمه السامعي الصغيرة على وجه الصفحة تعتبر هي ملح ومذاق صحيفة الجمهورية وكما هو مفهوم لدى العامة أن رسمة صغيرة بالكاريكاتير قد تحمل تعبيراً ومعان وشرحا ودلائل أغزر وأقوى مما يكتب بكل صفحات أكبر صحيفة يومية .. لهذا نبارك أولاً لمؤسسة الجمهورية حفاظها على مثل هذه الكوادر.. ولم أخفكم سرا أن هناك شخصا أميا لا يقرأ ولا يكتب تعود على المرور إلى أحد الأكشاك يومياً ليقرأوا له كاريكاتير السامعي حيث يقول لمن يكون بجانبه ( كيه إقرأ مو قال السامعي اليوم بالصورة ) ليطلق حينها ضحكة مدوية في حالة أن تكون الصورة كوميدية أو يحرك رأسه يمنةً ويسرة وبوجه عبوس تقرأ من ملامحه معاناة الألم والتوجع وهو يطلق نهده الحسرة وكأن الصورة تحاكي واقعه الأليم فعلاً... وهذا بالفعل ما أحس به أنا وغيري كون هذا الرجل يحمل في عقله معاناة الإنسانية وينزل إلى واقعنا جميعاً ليتفحص ما نعانيه ومن ثم يسكب معاناتنا حبراً على الورق تحاكي الآخرين من حولنا وتوقظ ضمائر البعيدين لتقرأهم أحوالنا المؤلمة.. لذا نقول بالأخير إذا كان الزميل الموهوب رشاد السامعي يقرأ ويعالج مواجعنا يومياً فمن حقه علينا أن نذكر ونشيد بمحاسنه المهنية ولو مرة واحده بالعام كونه يستحق الشكر والتقدير بل والتكريم من أكثر من جهة ممن تمتلك الإمكانيات العالية ..