لا أدري أن كانت الموهبة في نادر الأحيان تُخلق قبل صاحبها وتضل تربي وتكبر وتترعرع على فراش المهد الذي تفَصَل وتجهز لذالك الإنسان الموهوب وهوا ربما لم يزل بين أحشاء أمه..إذا لم يكن نطفة لم تزل وسط أصلاب والده بينما الموهبة التي سوف تكون هي القرين الحي لهذا الاسم بعد أن يخرج إلى نور الدنيا وبعد أن يرمي من بين يديه رضاعة الطفولة أو تعلن الأم ضده الفطام الشرعي بعد العمر المقرر له بحولين كاملين ليمد هذا الطفل يديه بعد ذالك بحثاً عن شيء يلهُ به ويكون بديلاً للإغواء والمغاوة عن رضاعته ليجد هناك على فراش نومه تلك الموهبة التي مازالت تنتظر بداية نضوج العمر الطفولي لذالك الموهوب لتبدأ مرحلة التزاوج بين الموهبة وعقل الموهوب...وليس ببعيد أن تظهر جينات الإنجاب الفكري ليس وسط أحشاء الموهبة .بل إلى ارض الواقع قبل أن يبلغ ذالك الطفل سن الرُشد...وهكذا بعد ذالك يضل عمره يكبر..وتكبر معه موهبته وما أن يصل إلى سن البلوغ إلا وقد بلغ صيته وسمعته العالية إلى خارج أسوار وطنه. لذا أمامنا تسأؤل يقول هل كان الرسام الكاريكاتيري (رشاد السامعي) واحداً ممن كانت مواهبهم قد سبقت سنهم؟، وقد يقاطعني البعض ويقول الوطن يعج بالرسامين الكاريكاتوريين وقد لا يكون هناك منزلاً إلا وفيه واحداً ممن يرسمون مثل تلك (الشخبطات) التي تظهر على بطون الصحف والمجلات، باستثناء ألفكره التي يختارها الرسام ألسامعي، وهنا أجيب بالقول (إذا نحن هنا سوف نتحدث عن هذه الاستثناءات التي قلتم عنها الفكرة)، نعم إنها الفكرة (السامعية) التي تستمع وتنصت لما يريد قوله رشاد ألسامعي وتجعله يبحر في أفكار غيره قبل إن ترسي به ألفكره على رصيف أفكاره ..حيث يُفرغ هناك سفينة الأفكار لينقل بضاعته من سفينة عقله إلى عقول المتذوقين لفن الكاريكاتير دون أن تعترضه شرطة خفر السواحل ولا يمر على الجمارك أو توقفه مصلحة الضرائب.. نظراً لأن بضاعته معفيه من كل الخصميات كونها تدخل ضمن السلع العلاجية وكونها علاج للأفكار وصابون القلوب...إذا هذا هوا رشاد ألسامعي الشاب الذي يجعل الإنسان الأمي بقراء الحروف والأبجديات والجُمل التي يرسمها دون إن يكون له أي معرفة بالحروف الأبجدية والسبب أن ألسامعي لا يضع فاصلاً من الرسم المتشعب والغامض بين المتلقي والرسمة الكاريكاتيرية حتى لا يترك المتلقي في حيره من أمره لفك طلاسمها وفكرتها، أو يجعله يقرأ التعليق ويقف دقائق كي يفكر بالمغزى أو بفكرة الرسمة. كما هوا حاصل ببعض الرسامين الذين تواردوا أخيرا على الصفحات اليومية أو الأسبوعية ..ليحجزوا لهم مساحة قد تستفيد منها الصحيفة مقابل مردود إعلاني خاصة أنهم لا يجيدون فن الرسم التعليقي ولا يتوقفون بوضع فكرة نستطيع فك طلاسمها..بينما ألسامعي كان موفقاً من أول رسمه تظهر له عبر صفحة القراء وكان يومها بمساحته الصغيرة تلك يعتبر ملح وفاكهة صفحة القراء بصحيفة الجمهورية حتى ان عملاقي الكاريكاتير بالصحيفة حينها مفيد اليوسفي وعارف البدوي عندما وجدا أن أمامهما موهبة تستدعي الوقوف بجانبها وإتاحة الفرصة لها بالسير قدما لتكون خير خلف لخير سلف لم يترددا من إعطائه مساحة بناء صغيرة بالصحيفة ليبني بها أفكاره الكبيرة ويواصل البناء والتشييد بعد أن أخذت قيادة الصحيفة بيده ..ولهذا نجد إن كل رسمه يضعها على بطن أي صحيفة أو مجله وبمقاس صغير لا تتعدى مساحة الرسمة أكثر من 20*10سم إلا أن فكرتها ومغزاها ونقدها العلاجي قد يفوق فكرة ما يكتبه صحفي أو ناقد بما يعادل أو يزيد عن صفحة كاملة...ونظراً لأن رسومات وأفكار ألسامعي كلها تحاكي ما يدور بالشارع والساحة العامة وداخل البيت اليمني ولم يترك لمتصفحها شيء من التكلف والتفكير بل انه يعطي قارئها شيء من المرح ويخرجه من جوه الكئيب إذا كان يعاني من أي ضغوط اجتماعية أو عملية..إلى جو الكوميدية والضحك مهما كان حزن المتصفح. فإذا لم يطلق ضحكة عالية وقهقهة إعجاب فقد يبتسم ابتسامة المنتشي بأي نجاح ..ومن يتابع الرسمة الكاريكاتورية للمبدع رشاد ألسامعي ويتمعن فيها وينظر أبعادها ومدى قوة معالجتها للقضية التي قصدها فسوف يحكم غيابياً إن هذا الفنان والناقد الحصيف، والإنسان العاطفي، والمفكر المقتدر، لم يصل إلى هذا القدر من الكفاءة والدقة بالاختيار للرسمة وفكرتها والتنوع اليومي.. لم يصل من خلال الخبرة على التكرار والممارسة اليومية لها وللواقع المعاش ولكنه ربما احترف هذا العمل من خلال معاهد وجامعات عالية متخصصة تعنى بشئون الكاريكاتير بكل أفكاره وأنواعه ليقفز إلى هذه الساحة متسلحاً بالمهنة الاحترافية ..خاصة انه يتعامل مع الرسمة ولهجتها الشعبية بطريقة عادية وبدون أي تكلف لكي يستطيع إيصالها سريعاً للأمي قبل المثقف وبلباسها وحجمها ولغتها وتقاليدها الكاملة كما هي حاضرة داخل مجتمعنا المحلي ..لكن عندما تقرأ المضمون سريعاً يستقبلك أولاً بفكرة كوميدية مضحكة وعندما تتغلغل مع الفكرة داخل العمق فليس ببعيد إن تنبهك أولاً دمعاتك الغزيرة وهي تنساب على مقلتيك.. وتذكرك نهدتك التي تطلق رعودها من بين جنبات أحشائك الضيقة أن أمامك وخلف تلك الرسمة الكاريكاتورية أبعاد إنسانية ومهنية ربما تجاوزت شرعيتها وثوابتها وتعدت حدود العقل والمنطق وارتكبت مخالفات جسيمة بحق من ولاك رب العزة مسئوليتهم أو من أوكل لك مهمة عملية لإكمالها وتناسيت ونسيت كل تلك الأمور ليأتي الرسام رشاد ألسامعي ويضع أمامك كاريكاتير معبر.. ومؤثر أيضاً ويركب على مقاس مخالفتك لتظهر أمامك تلك الرسمة أشبه بالأحلام التي نوقض المخطئ من منامه لتذكره بخطيئته..فربما لم يصدقني الكثير لو قلت أن البعض من أعمال رشاد ألسامعي لم استطع إن احجب أمامها دمعاتي العاطفية التي تتساقط من عيناي عندما أقف لأقرأ وأتمعن بأبعاد رسمه صغيرة قد لا يعيرها الكثيرون أدنى اهتمام بينما أنا ومن مثلي عندما نضع الرسمة أمامنا ونتخيل واقعها الحقيقي خاصة آن حركة ريشته الحساسة تستطيع آن تظهر حتى ملامح الحزن على جبين الصورة وتظهر أيضا حقيقة التوجع والتفكير في وجه الفقير إذا مادا همته المطالب والأحزان وهو يقف أمام أطفاله بملابسهم المرقعة عاجزاً عن إيجاد حل لمحنته أو عندما يأتي الولد العاق ويرمي بكلمة (أفٍ) خارج دائرته الأخلاقية ليتعامل مع والده العاجز معاملة قاسية ويضربه بماذا؟؟ بالعصا الخاص بتنظيف الحمام لتظهر الرسمة الضُعف الواضح للأب نتيجة كبر سنه وعجزه عن المقاومة وآثأر الدماء على وجهه وثيابه بينما الأم تحاول إيقافه وبلهجتها الشعبية تقول (حرام عليك يأبني هذا أبوك خاف الله) نعم أنها واحدة من الرسومات التي يتفنن بها رشاد ألسامعي ويجعلها تبكي نفسها قبل آن يبكيها المتصفح نتيجة لمصداقية التأثير العاطفي.. وعندما يدخل الكوميدية فيها يجعلك تضحك من بكاها.