بات الاختلاف في المسائل الدقيقة في ديننا الحنيف سمة بارزة خصوصاً مع تعدد المذاهب والطوائف، لكن أن يصل الاختلاف إلى أشياء بسيطة لا تشكّل أي ضرر، فهذا يعكس مدى الاستقطاب الذي وصل إليه الشارع الإسلامي وتأثيره المباشر على مجريات الحياة، فقد وصل الاختلاف - على سبيل المثال - حد النطق بالبسملة سراً أم المجاهرة بها في الصلاة، ومن مبدأ الضرر، فالبسملة محببة ومباركة ومرافقة لكل حركاتنا وسكناتنا؛ ضف إلى ذلك الدلائل الواردة تباعاً، تحوي سورة الفاتحة (7) سبع آيات، بحيث تمثل “بسم الله الرحمن الرحيم” الآية رقم (1). أول ما أُنزل من القرآن بأول ظهور للوحي، كان الأمر (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) عندما ركب نوح عليه السلام الفلك ومن معه استفتحوا رحلتهم بالبسملة: (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).. الفرق بين سور القرآن الكريم كاملةً وسورة التوبة (براءة) هي البسملة، وفي حين أُلغيت فكل السور ستكون براءة, لا فرق، نلاحظ في كافة المصاحف آخر حرف من آخر كل سورة وجود التنوين إقلاب (م)، كدليل قاطع على أن الحرف التالي هو الباء، بسم الله الرحمن الرحيم، كلّ هذا بالطبع عدا سورة التوبة. ويرى الشافعي وابن حنبل ضرورة البسملة اقتداءً بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم, مستدلّين على ذلك بحديث عن قتادة رضي الله عنه قال: سُئل أنس كيف كانت قراءة النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: كانت مداً ثم قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) يمد ب(بسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم) في الحقيقة لا شيء يستحق الاختلاف طالما لا ضرر؛ غير أننا ومنذ قرون على البعثة لانزال نختلف على كل شيء ولا نكاد نبارح هذه النقطة، فيما تواصل الأمم إثراء الإنسانية بكل جديد، تركوا خلافاتهم المذهبية واستخدموا فكرهم وطاقاتهم في أغراض أخرى صناعية وتكنولوجية باتت جزءاً من حياتنا.