قبل خمسة أعوام قررت قيادة السلطة المحلية في تعز منع بيع القات في الأسواق الكائنة وسط مدينة تعز, سواء الكبيرة أو الصغيرة المستحدثة في الأزقة والأحياء المكتظة بالتجارة والبسطات والمركبات, والاكتفاء ببيع القات في الثلاث الأسواق المركزية الكائنة في المداخل الشرقية والغربية والجنوبية, يومها قيل بأن إرضاء السائح وتجميل عاصمة الثقافة كان وراء ذلك القرار الذي ألحق الخسائر بسوقين كبيرين وسط المدينة تم تعطيلهما تماماً, بل أفلست حتى معظم الدكاكين والبوفيات المطلة عليهما! وفي ذات مساء من ذلك العام 2010م على أغلب الظن توجهت باحثاً عن باعة القات المختبئين من عيون الأطقم العسكرية التي تتعقبهم لمنعهم من تشويه العاصمة (الثقافية ) والحق يقال: فقد خالجني شعوران متناقضان بالسرور والحنق في آن واحد, فعندما شاهدت كيف فُرضت إرادة الدولة ممثلة بالسلطة المحلية بتعز وشرطتها وكيف صارت الأزقة والأرصفة المعهودة ببيع القات فارغة ونظيفة وكيف تنفست مركبات وشاحنات تجار سوق الجملة الصعداء بالمرور السلس من شارعهم الذي تخرج منه معظم تجار البلد! أما شعوري الآخر بالحنق من قرار نقل الأسواق, فقد تراكمت دوافعه وأسبابه تباعاً, أولاً عندما صعدت إلى الدور الثاني لإحدى العمارات الجاري تشطيبها في حي دي لوكس فوجدتها قد امتلأت بباعة القات وأنواعه وأمام باب العمارة يتوافد (الموالعة) مع مركباتكهم, وفي الجوار ينتصب طقم عسكري يغض الطرف!, سألت أحد (المقاوتة)عن سبب سكوت العسكر عنه وزملائه ؟ فأجاب: صاحبناهم !!! , ومن اليوم التالي كنت أتردد كغيري على تلك العمارة, وفي كل يوم كان حنقي يتنامى أكثر, تارة على المقاوتة الصغار المساكين الذي لا يحسنون (المصاحبة) فضاقت أرزاقهم! وتارة على هيبة الدولة التي كانت قد تجسدت أمامي وأمام الجميع ! لكنها لم تقاوم عوز (المصاحبة)رغم الاعتماد الجزيل الذي كان يضخه الأخ شوقي هايل قبل أن يصبح محافظاً لإنجاح الجهود الأمنية لنقل الأسواق, أما أكبر وأبرز دوافع الحنق من قرار نقل الأسواق إلى خارج المدينة, وخاصة إلى السوق المركزي في المدخل الجنوبي, فقد تجسد في غياب البدائل الموعودة لنقل تلك الأسواق , فالطريق أمام سوق عصيفرة الواصل بين المدينة جنوباً وأرياف العدين وشرعب زادت اختناقاً في حين تعثر المعنيون من استكمال شق وسفلتة الشارع الدائري البديل الواقع أسفل السوق غرباً. كما أن الوعود الرسمية لتعويض أصحاب الأسواق المهجورة قسراً تأخرت ولم ينتقل أصحاب البسطات إليها حسب الخيارات المطروحة يومها, المهم أن العام لم ينطو إلا وقد فشل قرار نقل الأسواق, ومن يومها وحتى اليوم زاد الطين بلة من ذي قبل ففي الصورة المرفقة طي السطور يتضح كيف أغلق سوق دي لوكس الشارع الواقع في جهته الغربية بعد أن كان مفتوحاً للمركبات قبل العام 2010 , بل أن مرور أطفال ونساء المنازل المطلة عليه صار أمراً مستحيلاً نتيجة ( نهم ) تأجير كامل الشارع لباعة القات, وما تبقى من شبر أو شبرين فتحتله الدراجات النارية بجبروتها ودخانها وقعشات وجعب سائقيها, عدا الأيام القليلة التي يتواجد فيها الطقم العسكري التابع لشرطة عموم المحافظة تتوارى (الجعب) قليلاً !! في الأخير لابد أن ننقل رسالة أهالي حي دي لوكس بل وتضرر غالبيتنا إلى الأخ محافظ المحافظة بأننا لا نطمح بإرضاء السائح القادم إلى عاصمة الثقافة ( مجازاً) فلا بأس من بقاء القات وسط المدن لكن الأهم هو ضبط أداء تلك الأسواق بما لا يعيق مرور الناس بأقدامهم ومركباتهم, فمن يدخل السوق يكتشف أن مساحته كافية لمن يستلقون خارجه بعرصات أقل قدراً من الداخل, ولعل أصحاب السوق لن يعجزوا عن وضع الحلول والاقتناع بالقليل الدائم غير المضر بغيرهم ليحافظوا على النعمة !! فلا ضرر ولا إضرار, كما أن جانب كبير من المسؤولية تتحملها السلطة المحلية والمعنيون في الأشغال الذين يدركون جيداً أنهم أبرموا عقود بمبالغ سنوية زهيدة بينهم وملاك أو متعهدي الأسواق , وأن تلك المبالغ الحقيرة لا تساوي شيئاً مقابل معاناة أبناء المدينة من ازدحام الشوارع المطلة على الأسواق وتأخر المركبات لدقائق عديدة في ساعة (إبليس) وبين الشمس الحارقة كلما خرجت مركبة من أمام السوق لتدخل غيرها , فهل يا ترى ستضطلع قيادة السلطة المحلية في تعز ومكاتب الأشغال بتقويم الاعوجاج في أداء أسواق القات خاصة وباقي الأسواق عامة ! نتمنى ذلك .