كنت سعيداً عندما قابلت أحد مدراء التدريب في العاصمة الجزائرية، ما إن علم بوجودي حتى أسرع لزيارتي في الفندق الذي كنت أقيم فيه، أحضر لي قائمة عريضة من البرامج التحفيزية والمهارات المختلفة يطلب مني المشاركة في تقييمها. فلما قرأت تلك العناوين الساحرة، قلت له على رسلك يا صديقي.. هذه صنعة يتقنها الباعة المتجولون الذين يروجون لسلع مغشوشة، ومنتجات منتهية الصلاحية. قال: ماذا تقصد؟ قلت: التدريب الذي نريده اليوم ليس هذه العناوين البراقة والمهارات التي لاتسمن ولا تغني من جوع.. إننا بحاجة إلى احتراف البرامج الجادة التي تلبي احتياجات سوق العمل، وتساهم في نهضة حقيقية وتدريب نوعي. دعك من هذا الفُتات الذي شغلنا به الغرب وهذه العناوين البراقة التي يمكن قراءتها ولا تحتاج إلى إكساب مهارة.. ربما تحتاج إلى أمسيات توعوية لا غير. لقد نجح الغرب في التدريب وأنفق من أجله، وهو يقصد التدريب الجاد لرفد سوق العمل، التدريب الذي يكسب المهارة ويغير القناعة ويحدث الفرق. أقول يا صديقي:الكثير من السلع المغشوشة التي يدربها الباعة المتجولون، لم ولن تثمر ولو على المدى، حتى المدرب نفسه لا يدري ما المهارة التي أكسبها، وما الخبرة التي نقلها؛ لأن فاقد الشيء لا يعيطه.. وهو يفتقد للكثير من الأشياء التي يحاول سد نقصها بالألقاب المزورة التي يقدمها قبل اسمه، فيسوق للكذب ابتداء قبل أن نعرف من هو.. فينتهي اللقب ويبقى الاسم نكرة لا محل له من التدريب. ذاك المدرب الأسطوري ، الذي يحمل الدكتوراه المهنية كما يزعم، لا يملك سوى قطعة من الحماس يتدثر بها فاذا ما هبت الرياح كشفت سوأته وأصبح عريانا لا لباس له.. وهو المسئول عن ضياع لباسه؛ لأنه تشبع بما لم يعط، ألا ترى ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم (المتشبع بما لم يعط، كلابس ثوبي زوراً). فليتهم أولاً يخلعون ثياب الزور التي لبسوها ويتجهون لبناء جاد لخبراتهم وقدراتهم ليقدموا رسالة حقيقية تتعلم منهم الأجيال وتتخرج. إنهم يا صديقي يشاركون في صناعة الفوضى بالفوضى التي يصنعون، ويرفعون أسعارهم في سوق لا يملكون رأس ماله، ويخوضون غمار بحر لا يحسنون السباحة فيه. يجب علينا جميعاً أن نحارب هذه السلع المغشوشة وهؤلاء الباعة المتجولين ليعود للتدريب نقاؤه وصفاؤه وتعود المقادير إلى نصابها ولا نلوث هذه الصنعة التدريبية بجراثيم جشعنا، وطفيليات تطفلنا. لابد أن نأتي البيوت من أبوابها. أتمنى يا صديقي أن تشاركني هذا الوعي التدريبي المفقود، وأن ننقذ التدريب من الابتذال.. ونلقي القبض على الباعة المتجولين في أرصفة التدريب.