كثر الكذابون ولا مروءة لكذوب.. أجل: كثر الكذابون وصاروا أغلبية في كل الساحات يتسللون إلى الوظائف الهامة، ولا يعلم الناس كيف وصلوا! يحصلون على الترقيات والامتيازات، ولا يدري الناس كيف حصلوا على الشيء الذي لا يتفق مع خبرتهم وكفاءتهم، لكنهم مع ذلك حصلوا عليه، أجل هناك الكثيرون أوصلهم جهلهم ونفاقهم وكذبهم إلى مواقع يستعصي الوصول إليها على الأكفاء من ذوي العلم والخبرة والاستقامة.. والسبب في ذلك هو غياب الشعور بالمسئولية ممن يعتبرون أنفسهم قادة أمة ورؤساء هيئات حزبية أو عسكرية، أو مدنية، هناك الكثيرون من أمثال هؤلاء يقدمون مصالحهم الشخصية على مصالح الوطن، فالوطن لا يعنى لهم إلا أن يكون بقرة حلوباً يستنزفون خيراته ويضعفون قوته وينهكون اقتصاده، لذلك فإنهم لا يراعون الدقة في الاختيار بحيث يأتي اختيارهم محققاً لمصلحة الوطن، ولا يعملون حساب العقيدة، فعقيدتهم في الأصل هشة، قلقة لا تثبت على حال، وعندهم الغاية تبرر الوسيلة، وبسبب هؤلاء وأمثالهم أخذت الحياة برمتها في بلادنا تنحو في اتجاهات بعيدة عن الصدق والأمانة. وبدلاً من أن نجد معالم الطريق مرسوماً بوضوح أمامنا من جانب الإعلاميين وعلماء الدين، وأهل الفكر ومجاميع المثقفين وجدناهم كل يحرث حوله فقط، ويحرف الساقية لتسقى زرعه فقط، ولا يبالي بالآخرين، ولو كانت قد برئت ساحة الإعلاميين من الكيد واللؤم والمراوغة لكان بإمكانهم أن يعيدوا للصدق مكانته وللمجتمع حياءه وحيويته، لكن الإعلاميين لم يستطيعوا حتى الآن إلا أن يزيدوا الصورة قتامة عن حقيقة ما يجرى في بلادنا. يتآلف المجتمع في بلادنا من قبائل ومشائخ ورعية ومن سياسيين وزعماء وتجار وأصحاب الحرف، ومن باعة متجولين وباعة ثابتين في دكاكينهم، وكأن الجميع قد اتفق على “عقد فريد” بينهم أن يعتمدوا الكذب قاسماً مشتركاً بينهم في تعاملهم مع بعضهم البعض، ومع بقية أفراد المجتمع، فالجزار يغشك وكذلك بائع السمك، يغشك، وبائع الطماطم والموز والخيار.. ويغشك، بائع التفاح والبرتقال الجميع يكذب ويغش والكل يمكر ويخدع، فلم يعد بإمكان أي منا أن يأمن أن يأتي من السوق بشيء غير مغشوش، أو مع هذا الهبوط أو التردي في الأسواق.. بالإضافة إلى ارتفاع أسعار هذه السلع المغشوشة، فعن ماذا يتحدث الإعلاميون؟ لقد شغلوا أنفسهم بإنجازات وهمية ينسبونها لهذا الحزب أو هذا القائد أو الزعيم في حين أنه لا يوجد حتى الآن من يستحق التقدير أو شغلوا أنفسهم بالحط من قدر هذا أو ذاك بدون برهان أو دليل. قال الأخ جابر الكرسع عضو مجلس النواب: هناك أطراف كثيرة يتحملون مسئولية تأخر اليمن اقتصادياً وتعليمياً، بل وكل النواحي تقريباً! لكن المؤتمر الشعبي العام يتحمل لوحده أوزار الأخطاء الفادحة، فقد أرسى دعائم الكذب منذ وقت مبكر من حكمه. فإذا حدثت كل هذه الأمور فكيف يمكن أن يصلح المجتمع؟ قلت له : حتى أنت يا جابر تبدو متحيزاً فقد أشرت في حديثك إلى المؤتمر وحده في الانتكاسات التي حدثت في بلادنا، مع أن هناك أطرافاً أخرى شاركت في لعبة الحكم وفي تردي الأوضاع في بلادنا فماذا عن الإصلاح والاشتراكي والناصري وغيرهم؟؟ قال : كان المؤتمر بيده كل شيء، المال والإعلام والسلاح، كان المؤتمر يحكم حكماً شمولياً باسم الديمقراطية ولم يكن للآخرين سوى “البقبقة” ولعق الجراح وكان الطرفان يتبادلان الاتهامات والمكايدات، لكن الذي كان يملك الطحين هو المؤتمر وأنصاره وأعوانه لكن الأمة لم تجد من المؤتمر سوى عجيجه ولم تر طحينه ! فأين ذهب الطحين؟؟ قلت له : إنك تذهب بنا بعيداً عن الموضوع قال : وما هو الموضوع إذن؟ قلت : هذا الوباء الكاسح في الحياة اليومية والأسواق فلماذا لا تسن قوانين تضبط الحياة والعلاقات بين الناس بداية من انفجار (طماشة) بسيطة حتى انفجار عبوة ديناميت لا تترك إنساناً في بيته إلا أزعجته وأرعبته.. ليس ذلك وحسب وإنما هناك مسائل تبدو صغيرة وتافهة لم تجد الجهات المختصة تشريعات كيف تتعامل معها ويكاد مجلس النواب لا يشعر بها. قال : المشكلة ليس في التشريعات وإنما في التطبيقات !! قلت : بل هناك غياب للتشريعات والقوانين وغياب للأعراف والمروءات وغياب للعيب فقد الناس الحياء وفقدوا معنى العيب في تعاملاتهم. قال : وماذا يمكن أو ماذا يستطيع مجلس النواب حيال ذلك؟ قلت : أنتظر منك أن تجيب أنت على هذا التساؤل. قال : لكي يستطيع مجلس النواب أن يفعل شيئاً، لابد أن يكون هناك إعلام نزيه صادق، في خبره وتحليلاته، لابد أن يعاد للضمير اعتباره وللقانون هيبته وللشرع مكانته، لابد أن يحتفل الناس بكل طبقاتهم وفئاتهم ودرجاتهم الوظيفية وهيئاتهم الاجتماعية وتكويناتهم القبلية، يحتفلون بعودة الصدق إلى الصدارة ويحتفل الناس بمراسيم تشييع جثمان الكذب إلى مثواه الأخير في باطن الأرض أو في أعماق البحار، وتؤخذ كل الضمانات والاحتياطات الضرورية واللازمة لمنع الكذب من الظهور بأي شكل من الأشكال وتقام مراصد ومحطات دقيقة في مضارب القبيلة ومقرات الأحزاب وأروقة الوزارات وثكنات الجيش ودوائر الأمن وفي الأسواق لمنع ظهور آفة الكذب مجدداً في كل الساحات الاجتماعية والأسرية والإعلامية والثقافية، بحيث يتفق الجميع أن يقترن اسم الكذب باسم الشيطان الرجيم ومادام المجتمع حتى الآن لم يصل إلى هذا المستوى من الوعي والنقاء والسمو، فإنه سيظل بحاجة إلى مجلس نواب بهذه الركاكة والصفات يكاد يكون رجع الصوت للمجتمع الذي انتخبه. أما عندما يستطيع المجتمع أن يرتقي بأخلاقه وقيمه وإيمانه حد تنظيف ساحته من الآفات الاجتماعية والثقافية والنفسية فإن مجلس النواب بصفاته هذه سوف يجد نفسه يختفي ويتلاشى ويأتي مجلس يتألق فيه الصدق وتزهو به اليمن. رابط المقال على الفيس بوك